in

توضيح في غاية الأهمية حول الركود التضخمي و تداعياته

الركود التضخمي الذي تشهده البلاد هذه الفترة والذي تتمثل أعراضه في تكدس السلع وارتفاع أسعارها مع تراجع الطلب ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية لمرتبات ودخول المواطنين، وتناقص مدخراتهم بشكل كبير، كما أثر هذا الركود سلباً على أصحاب المحال والأنشطة التجارية والخدمية والصناعية، حيث تقلصت مبيعاتهم وإيراداتهم بشكل كبير إلى درجة أن أصبح معظمهم غير قادر على دفع المصاريف أو التكاليف الثابتة Fixed Costs المتمثلة في قيمة الإيجار الشهري والمرتبات أو أجور العاملين.

أسباب ذلك وللأسف كانت واضحة وجلية لعل أبرزها:

1- تخفيض قيمة الدينار الليبي رسمياً عند 4.48 دينار للدولار.

2- ارتفاع الإنفاق الحكومي خلال العام 2021 م إلى ما يقارب 86.500 مليار دينار، وبزيادة تصل إلى ما يقارب 50 مليار دينار عن حجمه في 2020م، وبزيادة قدرها 41.000 مليار دينار عن حجمه في 2019 الذي سجل إجماليه في ذلك العام قرابة 46.000 مليار دينار.

حيث بررت حكومة الوحدة هذا الارتفاع آنذاك بارتفاع سعر الدولار عند ذلك السعر.

3- ارتفاع تكلفة الشحن العالمي خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود.

4 – ارتفاع أسعار الغذاء العالمي خلال الآونة الأخيرة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتعطل الإمدادات رغم أنه يتوقع أن تشهد أسعار الغذاء خلال الفترة القادمة انخفاضا بعد اتفاق التصدير الذي تم مؤخراً بين البلدين برعاية تركية أممية.

5- شح السيولة.

6- ارتفاع إنفاق الأسر والعائلات خلال مناسبات شهر رمضان والأعياد والعام الدراسي الذي أرهق كاهلهم.

وحيث إن ارتفاع الإنفاق العام على كافة أبواب الميزانية يعني لنا زيادة في دخول المواطنين ما يعني زيادة إنفاقهم واستهلاكهم لسلع الخدمات.

فمثلاً ارتفاع بند المرتبات من 24.000 مليار دينار خلال العام 2020 م إلى 33.000 مليار دينار خلال العام 2021 م تعني زيادة مباشرة لدخول العاملين بالقطاع العام بمقدار 10.000 مليار دينار، وهذا بالتأكيد أدى إلى زيادة طلبهم وإنفاقهم على السلع والخدمات بشكل أكبر عما كان عليه خلال السنوات السابقة.

كما إن ارتفاع نفقات الباب الثاني أو المشتريات الحكومية من 4.000 مليار دينار خلال العام 2021 م إلى 8.000 مليار دينار خلال العام 2021 م أدى إلى زيادة مباشرة لدخول التجار والموردين ومن ثم سيؤدي ذلك إلى زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات.

والحال نفسه فيما يخص باب التنمية الذي تزايد من 1.500 مليار دينار خلال العام 2020 م إلى 17،400 مليار دينار خلال العام 2021 م، وهذه الزيادة يفترض أن تؤدي أيضاً إلى زيادة دخول شركات المقاولات والبناء والعاملين بها، وهذا أيضاً سيؤدي إلى زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات، وكذلك الأمر فيما يخص نفقات الدعم الذي تزايدات من 6.600 مليار دينار خلال العام 2020م إلى 20.800 مليار دينار خلال العام 2022 م، بالطبع دون إغفال تأثير نفقات باب الطوارئ التي ناهزت 6.500 مليارات دينار خلال العام 2021م.

للأسف الكثير من المواطنين لم يكونوا يدركون الآثار السلبية لإنفاق بهذا الحجم على الاقتصاد وعلى أوضاعهم المعيشية بما فيها الحكومة التي أكدت مراراً وتكراراً العام الماضي عند تقدمها بمشروع الميزانية للعام 2021 م أن مبررات زيادة الإنفاق الذي قدرت حينها بـ 93.000 مليار دينار تكمن حصراً في ارتفاع سعر الدولار عند 4.48 بدلاً من 1.40 الذي سيترتب عليه زيادة تكلفة نفقاتها.

لكن للأسف الحكومة يبدو أنها نسيت أو تناست أن الزيادة في الإنفاق العام الفعلي خلال العام 2021 م والمقدرة بـ 50.000 مليار دينار سيدفعها كافة المواطنين البسطاء بما فيهم أصحاب المعاشات الأساسية من خلال الزيادة في سعر الصرف باعتبار البلاد تستور تقريباً كافة احتياجاتها من الخارج.

فالحكومة خلال العام 2021 م لم تحقق أي دخل حقيقي Real Income لا من زيادة إنتاج النفط، ولا من زيادة الضرائب والجمارك وفوائض الشركات العامة وغيرها، ولا حتى من القروض ولا من خلال السحب من الاحتياطيات.

بل حققت وللأسف دخلا وهميا أو ما يعرف ب Fake Income قيمته 103.000 مليار دينار يمثل قيمة مبيعات نفطية بمبلغ 22.300 مليار دولار فقط.

أي 22.300 دولار * 4.48 دينار = 99،400 مليار دينار..

هذا المبلغ يمثل مبيعات النقد الأجنبي لكافة الأغراض خلال العام 2021 م.

الخلاصة ما حدث هو أن المواطنين خلال العام 2021 م تآكلت دخولهم في ظل ارتفاع الأسعار ما اضطرهم لاستخدام مدخراتهم التي بدأت تتناقص تدريجياً إلى أن استنفد معظمها بشكل شبه كامل خلال العام الحالي ولم يعد بإمكانهم زيادة إنفاقهم وطلبهم على السلع والخدمات.

فلو افترضنا جدلاً أن مرتب 2000 دينار كان يكفي لسد احتياجاتهم لفترة شهر خلال السنوات السابقة فإن اليوم مبلغ كهذا لا يكفي حاجتهم لأسبوعين ومن ثم لجأوا إلى مدخراتهم التي تناقصت كثيراً أمر غير ذي جدوى ما يعني عزوفهم عن الطلب والشراء لغرض الإنفاق، وهذا ما نراه اليوم.

لكن في الختام الرسالة التي يستوجب على الحكومة استيعابها هي أن تمويل الميزانية العامة من خلال سعر الصرف أي عبر مبيعات النقد الأجنبي إجراء خاطئ وتداعياته سيئة وقاسية على الاقتصاد، وعلى الأوضاع المعيشية للمواطنين، بل يجب عليها أن تشتغل وتحترق لخلق إيرادات ودخل حقيقي، لا أن تستنفد مدخرات المواطنين البسطاء وتدعي تحقيقها لإيرادات كبيرة.

معاناة المركز الصحي بقصر بن غشير

بلدية أوباري: نستغرب تصريحات الدبيبة واتهام أبناء الجنوب بتهريب الوقود