Menu
in

خريف السلطة

يقول العلامة ابن خلدون في رائعته المقدمة ” فيذهب من السلطان الخير الذي كان علامة على المُلك ودليلاً عليه ويتصف بما يناقضه من خلال الشر، فتكون علامةً على الإدبار والانقراض بما جعل الله من ذلك في خليقته وتأخذ الدولة مبادئ العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها”

إن للسلطة ميلادا وربيعا وازدهارا وخريفا يرى من مسيرة كذا وكذا، ولعل الإمارات والممالك والدول تعيش هذه الدورة الحياتية كحياة الانسان أو غيره من المخلوقات، وحين تأتي السلطة تأتي من دون حول ولا قوة، وحينما ترحل تُنتزع انتزاعا أليما لا يصبر على فراقها إلا ذو حظ عظيم.

العمل الدرامي لفيلم السقوط للمخرج أوليفر هيرشبيغل والذي يصور الأيام العشرة الأخيرة لحكم أدولف هتلر لألمانيا النازية سنة 1945 قد يحاكي حال كثير من حكامنا في ليبيا، ليس بذات المأساة تحديدا، لكنه بشكل مقارب ولعل انهيار الأمور وتزعزع الأوضاع في اللحظات الأخيرة تكون كابوسا يعصب تصديقه.

في ثورة فبراير بدأت موجة الاحتجاجات فكانت ثلاثة أيام فقط كفيلة لتستقل برقة بقرارها وتخرج من تحت عباءة القذافي إلى نهاية القصة، وبعدها تمسك زيدان بالمنصب، لكنه خرج بصفقة برلمانية أطاحت به، فحاول وحاول وحاول ولكن دون فائدة.

ثم جاءت حكومة الغويل وحاولت إيقاف طريق الوفاق والصخيرات، وقدم تنازلات فأخرى، وحاول أبوسهمين في لقائه الشهير بعقيلة صالح أن يعطل التوافق دون فائدة فخرج أبوسهمين والغويل من المشهد حينما سحب البساط من تحت قدميهما.

حكومة السراج حاولت البقاء بعد حرب طرابلس، لكن برلين كانت أقوى، وملتقى الحوار السياسي الليبي حسم الأمر فحاول الايطاليون إحداث تسوية بين السراج وسياسيين في شرق ليبيا، ولكن برلين صمد، ثم تعلق في قشة الملحق الثالث عشر لتقرير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة الذي يتحدث عن فساد ورشى في ملتقى الحوار، لكن التقرير أُخفي، وانتهت حكومة الوفاق وسلمت للمنفي والدبيبة.

نعيش اليوم صراع الوجود بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وبين حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا والذي يبدو جادا في المضي قدما في تشكيل حكومة توافقية تجري استفتاء على الدستور وتمهد للامتخابات العامة وترعى مصالحة شاملة بين الفرقاء الليبيين.

الدبيبة يتحدث اليوم عن تنازلات بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ولكن الأوان قد فات أمام هذا التنازل، فأغلبية الدبيبة في ملتقى الحوار السياسي الليبي او ما يسمى بلجنة الـ 75 لم يستغلها الأخير جيدا فأضاعت فرصة اقرار قاعدة دستورية، مما أتاح الفرصة للبرلمان لإقرار قانون الانتخابات إلى أن توقفت الانتخابات بفعل قوى قاهرة عرقلها.

كما أن فشل الحكومة في ملفات الكهرباء والمصالحة وتوحيد المؤسسات بدا واضحا، ناهيك عن عدم سيطرة الحكومة على حدودها ومؤسساتها شرقا وجنوبا، وهذا ما ترتب عليه أيضا استحالة أن تقيم هذه الحكومة الانتخابات.

خسارة الدبيبة لكل النواب وإجماعهم على باشاغا ضيق الخناق على حكومة الوحدة الوطنية، وما زاد الطين بلة هو الدعم اللامتناهي من مجلس الدولة للتوافق مع مجلس النواب لتشكيل حكومة برئاسة باشاغا، إضافة إلى دعم دولي وأممي بدأ يتبلور ويضع الضغط على الدبيبة الذي لا يتمسك إلا بمدة خارطة الطريق التي تنتهي في يونيو المقبل، ولكنه مبرر لا يمكن التعويل عليه وسط عجز الحكومة عن بسط سطوتها شرقا وجنوبا وانحسارها فقط في إقليم طرابلس.

مجالس بلدية وقبلية بدأت تتنصل من حكومة الدبيبة، واصطفت خلف باشاغا، فيما ستكون المعركة الحاسمة حول مصرف ليبيا المركزي الذي أتوقع أن ينحاز لصف باشاغا؛ هروبا من المخالفات والضغوط الدولية خاصة الأمريكية منها.

زيارات الدبيبة الحالية خارج ليبيا لم تلق ترحيبا كبيرا فباشاغا صفر مشكلاته مع مصر والإمارات وفرنسا، بينما يتمتع بعلاقة طيبة من الأساس مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يرجح أنها تدعم خطواته لتحقيق توافق وطني يعيد ليبيا للمحور الأمريكي بتحانس بين تركيا ومصر اللتان توصلتا لاتفاقات متقدمة سياسيا وتجاريا وإقليميا.

… بعد وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي ، وانتقال الخلافة لسليمان بن عبد الملك بن مروان، الذي كان على خلاف مع الحجاج ونظامه وأذرعه التخطيطية والتنفيذية .

جيء بيزيد بن مسلم في حضرة الخليفة، واستحقر الخليفة شكله وقال له: لعن الله من ولاك، وكان يقصد الحجاج.

فقال: واللّه إنّك رأيتني والدنيا عليك مُقبلة، وهي عني مُدبرة، ولو رأيتها وهي إلي مُقبلة، وعنك مُدبرة، لاستعظَمت ما استصغرت، واستجللت ما اسْتحقرت.

فهذه حال الدنيا وإن لكل شروق غروبا، وإن خريف سلطة الحكومة الحالية قد ظهر دون تشف أو انتقال أو تصغير، فلها ما لها وعليها ما عليها، وباشاغا أعلن مد يده للدبيبة، وشكر حكومته وأدائها، وتوقع منهم تسهيل إجراءات التسليم والاستلام وعدم جر البلاد لفوضى قد لا تحمد عقباها، ضاعت فرصتنا في الانتخابات في زمن حكومة الدبيبة، فهل يحقق باشاغا الإنجاز التاريخي والوطني، وينجز الاستحقاقات ويصلح الأوضاع وتستقر ليبيا ولو نسبيا في فترته؟

أُترك رد

كُتب بواسطة مرام عبدالرحمن

Exit mobile version