Menu
in

تيار التأزيم والاتفاقات السياسية.. ممانعة البدايات والتمترس في الانسدادات

خلال التجربة السياسية التي عاشها الليبيون منذ 2011، والتي بلغت ذروة أزمتها في 2014 بحدوث الانقسام وانعقاد مجلس النواب في مدينة طبرق وما صاحب ذلك من صدام مسلح، في هذه التجربة برز تيار الرفض السياسي الذي لا تكاد ترتسم معالم لحل سياسي يتخذ من الحوار بين الأطراف الليبية وسيلة إلا وأعلن رفضه ونادى محذرا من هذه المبادرات.

هذا التيار الذي يدعي أنه الممثل الأوحد لثورة فبراير، وكأنه راهب في صومعتها، ويرى الجميع أعداءها ومتربصين بها، يرى استدامة التفتت وانتهاج التصعيد هو السبيل للحفاظ على مكتسبات فبراير -كما يفهمها- وإن أودت بالوطن، وقضت على كيان الدولة.

ولعل أبرز سمات مواقفه في محطات التجربة السياسية هي رفضه ابتداءً لأي حوار أو توافق بين الأطراف الليبية معتبرا ذلك خيانة وانكسارا وتفريطا في دماء الشهداء واستسلاما لمؤامرات الثورة المضادة، فهذا الموقف كان صريحا وواضحا من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات وحكومة الوفاق التي أنتجها، واعتبرت دار الإفتاء التي تتزعم هذا التيار من وقع على الاتفاق آثما قد أجرم في حق الليبيين، وسمّت حكومة الوفاق بـ”حكومة الفرقاطة” ورمت أعضاء المجلس الرئاسي بالعمالة، ودعت الليبيين للتمسك بالمؤتمر الوطني سلطة شرعية دون سواها.

هذا الرفض للوفاق والقطيعة معها انقلب إلى تمسك بها واعتبارها صاحبة الشرعية دون غيرها، وذلك عندما انطلق الحوار السياسي في أعقاب العدوان على طرابلس في أبريل 2019.

إن التمسك بحكومة الوفاق من قبل تيار الرفض في مرحلة بحث عن مخرج من الانسداد السياسي وإنهاء لحالة الاصعيد العسكري، أبرز السمة الأخرى لهذا التيار وهي تفضيله استدامة حالة الانغلاق والجمود مع عجزه عن التعاطي بواقعية مع المشهد السياسي، ومحاولة تغطية ذلك بخطاب ثوري تصعيدي سئمه عامة الليبيين.

وقد صاحب تمسك تيار الرفض بحكومة الوفاق تشكيكه في الحوار السياسي الذي تم في تونس وجنيف، واعتبره مؤامرة للقضاء على الشرعية، وهي نفسها الشرعية التي أنتجها اتفاق الصخيرات الذي اعتبره إثما وجرما، ودعا الليبيين للحذر مما يتم تحت مسمى الحوار السياسي ودعا لرفضه، ثم ما إن نتجت سلطة تنفيذية على غير المتوقع حتى تمسك بها وأسبغ عليها نعوت الشرعية وبرّأها من دنس التآمر والمكر.

واليوم بعد أن أصبحت هذه السلطة جزءاً من حالة الصراع، وسببا في انسداد العملية السياسية، وبعد أن فشلت في إنجاز مهمتها الأساسية في إنجاح الانتخابات باعتبارها طرفا محايدا ومؤتمنا عليها، ها هو تيار الرفض يعلن تمسكه بهذه الحكومة، ويعارض حالة التوافق الواسعة حول ضرورة تشكيل سلطة جديدة تكون ثمرة لهذا التوافق، ليمارس خطابه التشويشي الذي يتجاهل حالة الفساد والإهدار، ويرى في جمود الوضع السياسي البديل الأفضل حتى وإن أعادنا إلى مربع الصراع.

أُترك رد

كُتب بواسطة إبراهيم العربي

Exit mobile version