in

ترهونة.. حُفرة الموت

ما بين الفينة والأخرى، يُكتشف في ترهونة هذه الأيام مقابر جماعية تضم عشرات الجثث التي تعود لأشخاص جلّهم مدنيون جريمتهم الوحيدة أنهم عارضوا ميليشيا “الكانيات” الحاكمين بأمر حفتر، ولم يتماهوا معهم في إجرامهم ولم يجاروهم في فسادهم.

بعض هؤلاء الضحايا قضوا نحبهم في مرحلة حكومة الإنقاذ برئاسة الغويل والمؤتمر الوطني فترة أبوسهمين، عندما كانت هذه الميليشيا تُشد إليها الرحال وتدفع لها الأموال تحت غطاء “حفظ الأمن بترهونة”، هذه الأموال التي وصلت إلى أبناء عائلة الكاني المجرمين والمقربين جدا في تلك الفترة مما يعرف بـ”الجماعة الليبية المقاتلة”، والبعض الآخر قتلوا في مرحلة المجلس الرئاسي عندما شن الكانيات هجومهم الأول على العاصمة متحالفين فيه مع “صلاح بادي” معزّزين موقفهم بموقف دار الإفتاء التي لم تمانع هذا العدوان، أما العدد الأكبر فهم ضحايا عدوان حفتر، الداعم الأول والأساسي لإجرام هذه الميليشيا، في العدوان على طرابلس في الرابع من أبريل من العام الماضي.

توحش أسود ينطوي وراء هذه الجرائم البشعة، فالصور والنتائج أظهرت أن عمليات الإعدام حوت نساءً وأطفالا ناهيك عن الرجال، وكأن هؤلاء القتلة استهوتهم مقولة “ليس كل الدماء معصومة” وخُيل لهم أنهم قضاة الله في أرضه يحق له أن يقتلوا من شاؤوا متى شاؤوا !، أم أن القتل عندهم أصبح نهجاً بعد أن استوحشوا ثم تلذذوا بما فعلوا، ثم أدمنوه، ثم مارسوه على سبيل الحكم وبسط النفوذ؟!

لطالما خرج علينا كبيرهم “الفاندي” الذي انتهى به المطاف لاجئا في المنطقة الشرقية مستعرضا تاريخ ترهونة وجهادها وملوحا بالكفاح والرجولة والشجاعة، يخفي تحت هذا الاستعراض المزين بشعارات رنانة، إجراما واستباحة لأرواح وأعراض وأرزاق الكثيرين ممن رفضوا أن يكونوا عبيدا عند الكانيات، وليس غريبا على المجرمين استخدامهم لواجهات اجتماعية مهمتها كانت ولا زالت تزييف الحقائق وتدليس الواقع تحت شعارات الوطنية.

فحتى هذه الساعة تم اكتشاف أكثر من 450 جثة في أكثر من 12 مقبرة جماعية، ولازال هناك مفقودين ومغيّبين جار البحث عنهم، عسى أن يجد ذويهم المكلومين دليلا تحت الأرض يعزيهم في أبنائهم بعد أن فقدوا الأمل في وجودهم فوق الأرض.

مثل هذه الجرائم تحتاج إلى فرق للتوثيق، وفرق أخرى للبحث والتعرف على هوية الجثث، وهذا ما لم تنجح فيه حكومة الوفاق حتى هذه اللحظة؛ فهي تتخبط في إدارة هذا الملف عن طريق وزارة العدل التي بحسب تصريح أحد مستشاريها إن اللجنة المكلفة بمتابعة القضايا لا تتعامل باهتمام مع هذه الجريمة، وضيّعت جزءا من الأدلة والمستندات التي جُمعت في هذا الشأن.

ومع استمرار الاستخفاف في التعامل مع هذا الفعل كونه مصنفا تحت بند “الجرائم ضد الإنسانية”، تستمر معاناة وأحزان العائلات وآهات أطفال المفقودين ولوعة زوجاتهم.

هذه المقابر الجماعية كفيلة لوحدها بأن توصل حفتر وعصاباته لحبل المشنقة، لكن للنجاح في هذا فإننا نحتاج إلى رجال تجمعهم نية صادقة، وحسٌّ وطني يسعى إلى إظهار الحقيقة وجمع الأدلة؛ لإدانة الجناة وتقديمهم للعدالة حتى نحفظ تضحيات أبنائنا ولا نفرط في دمائهم؛ فالعهد الذي قطعناه في ثورة فبراير أن “دماء الشهداء لن تضيع هباءً”.

العدالة والبناء: نطالب النائب العام َومحكمة الجنايات الدولية بملاحقة كافة المسؤولين عن المقابر الجماعية في ترهونة َومحاسبتهم

كورونا والحواس الخمس.. كيف يتأثر الشم والذوق والسمع والبصر واللمس؟