تعتبر الرياضة بمختلف أنواعها الفردية والجماعية صناعة ونوعا من الابتكار، ومعانقةُ النجاح فيها لا تتأتَّى إلا بالتخطيط السليم واستثمار الوقت والإدارة القوية، وإعداد الرياضي جسديا ونفسيا ومهاريا وبدنيا، لا بالصدف فأنا لا أعترف بالصدفة ولست مؤمنا بها خصوصا في الحقل الرياضي، وطبعا لكل قاعدة شواذ.
صناعة بطل أولمبي يكون سفير البلاد في الألعاب الأولمبية، الحدث الكبير الذي يحجّ له العالم أجمَع من مختلف القارات، بيضا وسُودا وشُقرا وبأجناس وأعراق متباينة، لا شك أنه الهدف الأسمى والغاية الكبرى لأي مؤسسة أولمبية بل لأي دولة.
تنافسٌ كبير وتحدّ أكبر تخوضه مختلف الدول فيما بينها، وتمويلٌ حكومي ضخم وشركاتٌ راعية، والهدف اعتلاء منصات التتويج في العرس الأولمبي، وهو ما يؤكد أنّ التّحصيل الرياضي نوعٌ مِن التنافس الناعم بين الدول العظمى؛ فكم خطوةً أخذتها الأولمبية الليبية حيال هذا الملف، وإلى أين وصلت وماذا أنجَزت؛ أم أنّ هذا الملف لا زال مُلقًى في أدراجها دون أن يُفتَح ..!!!
إنّ إصدار الحُكم بالفشل المطلق على الأولمبية الليبية يعتبر مُبالغا فيه بعض الشيء فنحن لا نريد أن نضع السّكينة على رقبة أولمبيتنا التي عَزت ذلك لقلة الدعم المالي من الحكومة، مع يقيني التام بأنها تتحمل جزءًا من الفشل في هذا الملف بشكل أو بآخر.
إن صناعة البطل الأولمبي ملفٌ شائك وفضفاض في آن، وبالدرجة الأولى هو اختصاص وشأن تُعنَى به الدولة أو الحكومة، ويحتاج لبرمجة خطط طويلة الأمد، تبدأ بتوسِعة قاعدة الرياضة المدرسية التي انطفأت وأهملت، وبإقامة مسابقات رياضية على مستوى المدارس، لتسهيل عملية التّنقيب وانتقاء الموهوبين والمهرة والخامات الرفيعة منذ نعومة أظفارهم، يلي ذلك التخطيط الفني لرعاية هذه الموهبة وصقلها والاهتمام بها وإخضاعها لمعسكرات داخلية وخارجية بشكل مستمر، ومن ثم الدفع بها في البطولات، وهي المرحلة الأخيرة ما قبل حصد ثمرة هذا الجهد الوفير، مع عدم التغافل على أن تحقيق النجاح وحصد القلائد يتطلب مالا فهو يسير بخط متواز مع الإرادة والتصميم والشغف.
الوصول إلى القمة لا يكون بين ليلة وضحاها بل هي مسألة تراكمية على مدى سنوات وعقود، تتم بتلاحم كامل المنظمومة: الأولمبية، الحكومة، والإعلام الرياضي، فالإعلام له دور كبير في تسليط الضوء على الرياضي وما أنجزه، بل إنه شريك أساسي مع الرياضة، فبدون الإعلام يعتبر الإنجاز منقوصا حتى ولو كان الإنجاز جللا أو مبهرا.
من مبدأ أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا، مقولة تنطبق تماما على اللجنة الأولمبية الليبية التي فتحت مؤخرا ملف صناعة البطل الأولمبي وشكّلت لجنة لرعاية الرياضيين المتميزين، واختارت نحو 40 رياضيًّا من مختلف الألعاب، وسيتم تقليص العدد لـ 20 ليكون من بينهم بطل أولمبيّ ليبيّ أو مجموعة أبطال في ظَرف سنوات.
لكي نكون صريحين مع أنفسنا فإنَّ مسألة استكشاف المواهب وتبنّيهم ودعمهم لا تقوى عليها الأولمبية الليبية لوحدها، فلم لا يُفسَح المجال للقطاع الخاص وتتم الشراكة بينه وبين رؤوس الأموال الكبيرة لتبني عدداً من الرياضيين وتتكفل بمصروفاتهم وكامل معسكراتهم، وهو ما يكفل نجاح الرياضي وشهرة رجل الأعمال ومكانة أكثر رفعة للأولمبية.
صناعة هذا البطل تدخل فيه أيضا وزارة التربية والتعليم بل إن للوزارة دورا مباشرا، بمنح الرياضي الاستثناء في التحصيل العلمي ومراعاة ظروفه بتأجيل الامتحانات مثلا أو بتقنين المنهج.
شاركت ليبيا في دورة الألعاب الأولمبية عديد المرات فيما سبق، وفي كل مرة كان تواجدنا فيها خجولا أو في خانة المشاركة لأجل المشاركة فقط، فلم يسبق أن نالت ليبيا أي قلادة بل ولم تحصد أي ترتيب متقدم حتى عندما كانت ظروف البلاد أكثر استقرارا لم نتوج بأي قلادة، ورجعنا نجر خلفنا النكسات.
الواقع الرياضي الذي عشناه في بلادنا يقول بأن الألعاب الفردية وحدها من نستطيع التعويل عليها في بناء جيل رياضي يستطيع جلب المعدن النفيس ويهدينا الحلم الأولمبي والتواجد في منصة الثلاثة الفائزين بالذهب والفضة والبرونز.
من الملاحظ خلال العقد الأخير انتشار المدارس الخاصة وأكاديميات كرة القدم في بلادنا بكثرة، ومن هذا المنطلق لم لا نرى أكاديميات متخصصة بصناعة أبطال أولمبيين فلربما تساهم في تحريك المياه الراكدة وتجعل الأولمبية الليبية تشعر بالخطر على مكانتها وتتدارك موقفها وتعيد حساباتها.
إن بلوغ أعلى درجات المجد وتحقيق الإنجاز الدولي في دورات الألعاب الأولمبية ملف كبير يحتاج لعمل منذ الآن ليتم حصد ثمراته بعد سنوات، فهل ستتبنى الحكومة ملف صناعة ولو بطل أولمبي واحد فقط يكتب اسم ليبيا بين البلدان التي صعدت منصات التتويج، فلا أعتقد أن دعم رياضي واحد سيصيب خزينة الدولة بالإفلاس.