in

مقابلة خاصة مع السفير والمندوب الدائم لليبيا لدى اليونسكو

طالب السفير والمندوب الدائم لليبيا لدى اليونسكو، “حافظ امحمد الولدة” لجنة التراث العالمي رفع الحظر عن “مدينة غدامس القديمة” معتبراً ذلك بمثابة حافز ممتاز لدولة ليبيا؛ لبذل المزيد من الجهد في موضوع حماية وحفظ الموقع.

وفي مقابلة مع شبكة الرائد الإعلامية، شدد “الولدة” على ضرورة أن تبقى مصلحة الآثار مؤسسة علمية يجب أن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية، مؤكداً أن انقسامها أثر على أداء وفعالية المؤسسة بشكل واضح، وفق قوله.

وقال، إن استمرار عدم الاستقرار والعنف الذي عانت منه ليبيا في السنوات الأخيرة سيجعل وضع التراث الثقافي في ليبيا في خطر، مطالباً المسؤولين عن إعداد المناهج، بإدخال مواد تراثية في المناهج المدرسية الليبية باعتباره مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الليبية.

فإلى نص المقابلة..

أعلن مركز التراث العالي في منظمة اليونسكو أواخر الشهر الماضي إدراج “موقع قرزة الأثري – موقع طلميثة الأثري – كهف هوا فطيح ” على القائمة التمهيدية للتراث العالمي، ما الذي يعنيه هذا الإعلان؟

إدراج ثلاثة مواقع على القائمة التمهيدية لليونسكو، ومن طرف مصلحة الآثار الليبية وبتعاون دولي دليل على أن هذه المؤسسة (مصلحة الآثار) بدأت تتعافى وتوجه أنظارها إلى الحماية الدولية لهذه المواقع التراثية التي تهم الإنسانية عموماً من خلال التوثيق العلمي على مستوى عالمي، وكذلك تدل على أن مشروع بناء القدرات من خلال تدريب المهنيين، والتوثيق ومبادرات التوعية، بدأ في انتاج ثماره من خلال هذا الإدراج، ليبيا الآن ليست مغيبة من نشاطات اليونسكو، بسبب ظروف الحرب، وقد أثبتت وجودها بقوه فريق عملها ورعاية وخبرة وتمثيل مندوبيتها في اليونيسكو.

على النقيض من ذلك هناك مواقع ليبية مسجلة في قائمة التراث العالمي وضعت في يوليو 2016م ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ما هي دوافع ذلك، وهل أنتم مهتمون بإزالتها من قائمة الخطر؟

وضعت اليونسكو خمسة مواقع للتراث العالمي في ليبيا على قائمتها من المواقع المعرضة للخطر، مشيرة إلى “الأضرار الناجمة عن النزاع الذي يؤثر على البلاد والتهديد بحدوث المزيد من الأضرار”.

كان هناك سبب ضمني احترازي لهذا القرار لغرض لفت انتباه المجتمع الدولي لاحتمال تعرض هذه المواقع للخطر ودفع السلطات الليبية للاهتمام بهذه المواقع (الفريدة عالميا) واعتماد الإجراءات التصحيحية السليمة للحفاظ عليها وصونها وحمايتها، وكانت هناك دعوة إلى جميع الأطراف لوقف العنف والحفاظ على التراث الثقافي خارج الصراع السياسي والعسكري.

هذا القرار يدعو إلى الامتناع عن استهداف الممتلكات الثقافية واستخدامها لأغراض عسكرية، بموجب القانون الإنساني الدولي واتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح.

الدولة الليبية والمتمثلة في مصلحة الآثار تعي بأن أي ضرر بليغ يلحق بهذه المواقع لا يمكن استرداده وبالتالي فهي شديدة الحرص على حماية هذه المواقع، وإزالتها من قائمة الخطر.

اللجنة المشكلة لإدارة وتنفيذ إستراتيجية الحفاظ وصون مواقع التراث العالمي الليبية الخمسة بموجب قرار المجلس الرئاسي رقم (155) لسنة 2019 حالياً، وبالتعاون مع مصلحة الآثار وجهاز تنمية وتطوير مدينة غدامس تقوم بدراسة وضع خطة إدارية لإدارة مواقع التراث العالمي الليبية الخمسة، ومن ضمن نتائج هذا التعاون وضع الخطوط العريضة للخطة، وضع الهيكل التنظيمي، وتحديد العناصر البشرية والمادية اللازمة لإدارة كل موقع من المواقع، كما تم استحداث مكتب خاص على مستوى الهيكل التنظيمي لمصلحة الآثار يعنى بإدارة هذه المواقع.

الآن العمل يتم على قدم و ساق لإعادة تأهيل مدينة غدامس القديمة لإزالتها من قائمة الخطر باستكمال الدراسات وتحديد وإدارة المنطقة العازلة للمدينة لحماية المناطق المحيطة بها واستكمال الخطة الإدارية بالتعاون بين جهاز تنمية وتطوير مدينة غدامس ومصلحة الآثار واللجنة المشكلة لإدارة وتنفيذ إستراتيجية الحفاظ وصون مواقع التراث العالمي الليبية الخمسة.

دولة ليبيا تأمل من لجنة التراث العالمي رفع هذا الموقع من قائمة الخطر، الأمر الذي سيكون حافزاً ممتازاً لدولة ليبيا لبذل المزيد من الجهد في موضوع حماية وحفظ الموقع، مع تعهدها الكامل بالتواصل المستمر مع لجنة التراث العالمي لوضع ملاحظاتها موضع التنفيذ من خلال القنوات الرسمية بدولة ليبيا.

مصلحة الآثار في ليبيا تأثرت بالصراع الدائر في ليبيا، وأصبحنا أمام مصلحتين واحدة في الشرق، وثانية في الغرب، هل ذلك هو سبب تردي وضع الآثار في ليبيا وتهريب عدد من القطع الأثرية للخارج؟

تبعات الانقسام السياسي انعكست على مصلحة الآثار، حيث يوجد مصلحتين إحداهما تابعة لحكومة الوفاق في طرابلس، والأخرى تمارس مهامها في شرق البلاد تابعة للحكومة المؤقتة الموازية، في الحقيقة مصلحة الآثار مؤسسة علمية يجب أن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية، وبدون شك الانقسام أثر على أداء وفعالية المؤسسة بشكل واضح، وخصوصا في استخدام الخبرات في المواقع التي تحتاجها وإعداد تقارير مواقع التراث العالمي ومحاربة النبش العشوائي، ومحاربة الاتجار غير المشروع في التراث الليبي.

مثلاً هناك صعوبة في الحصول على محاضر من الشرطة لاستعمالها قانونياً في القضاء في أوروبا كدليل على سرقة القطع الأثرية التي تصل بالعشرات في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث تعمل لجنة المسروقات بحكومة الوفاق بمساعدة وزارة الخارجية على استرجاعها من الدول التي وصلت إليها وفق اتفاقيات متبادلة تلزم برد هذه القطع الأثرية المنهوبة.

هل هناك اهتمام من الهيئات والمؤسسات المعنية بالتراث في ليبيا بإعداد تقارير عن الآثار التي تعرضت للتهريب والتخريب والتعديات، لإحاطتكم بها فيما بعد؟

الحكومة الليبية عن طريق وزارة الخارجية تبذل جهودًا كبيرة لاستعادة عدد من الآثار المنهوبة خارج ليبيا في سويسرا ولندن وباريس وأمريكا وتونس ومصر وإسرائيل منها ما هو مسروق من المتاحف والمخازن الليبية، ومنها ما هو نتاج الحفر العشوائي وغير القانوني.

القطع المهربة عن طريق التنقيب العشوائي لا يصعب المطالبة بها؛ لأنها غير مسجلة ومثبتة الملكية لليبيا إلا في حالات إستثنائية كالتماثيل الرخامية الجنائزية، التي عثر عليها في سويسرا والمملكة المتحدة وإسبانيا حيث تم الاعتراف بملكية ليبيا لها؛ لأن هذا النوع من التماثيل لم ينحت إلا في إقليم قورينا (شحات).

في شهر أبريل (2018) تمت عملية مداهمة تجار الآثار من قبل الشرطة الإسبانية، التي شملت اعتقال شخصين من تجار الآثار المشهورين على المستوى الدولي في برشلونة، هي الأولى في العالم التي تنفذ ضد سرقة الفن في الأراضي المحاصرة من قبل الجماعات الإرهابية.

هؤلاء التجار يعتقد أنهم قادوا شبكة مخصصة لشراء وبيع قطع أثرية غير قانونية من مواقع أثرية نهبتها مجموعات ذات صلة بمنظمة داعش الإرهابية وتغطية أنشطتها.

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فعالاً في بيع الآثار الليبية بشكل علني، حيث يتم عرض هذا الأثر مع مزادات من قبل زبائن ليبيين وآخرين من جنسيات أخرى.

ما أود ايضاحه في هذا الصدد أن الولايات المتحدة وليبيا وقعتا في وقت لاحق في فبراير اتفاقية ثنائية لمدة خمس سنوات تهدف إلى مكافحة تهريب وتجارة القطع الأثرية الليبية، كما أن وزارة الخارجية الليبية أبلغت مصلحة الآثار برغبتها في توقيع اتفاقيات مماثلة مع عدد من الدول الأوروبية لحماية واستعادة القطع الأثرية المسروقة من ليبيا.

ماذا عن موقف اليونسكو إزاء التعديات والسرقات التي يتعرض لها التراث الليبي، وهل كان موقفها وفق المطلوب؟

مصلحة الآثار الليبية ساعدت حالة الحفاظ على مواقع التراث العالمي في البلاد، وقدمت تحديثًا لجهودها المستمرة لضمان حمايتها والحفاظ عليها مع توفير اليونسكو التوجيه الفني وردود الفعل بشأن الحفاظ على المواقع وإدارتها، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بترسيم الحدود ومساعدتها في تقديم مواقع جديدة للقائمة التمهيدية (المؤقتة) للتراث العالمي.

هل المعالم الأثرية في ليبيا هي ضحية صراعات بالفعل، فإن كانت كذلك، أليس حالها أحسن من الآثار في سوريا والعراق؟

خلال فترات النزاع اتخذت مصلحة الآثار إجراءات احترازية لحماية المتاحف والمواقع الأثرية. حيث تم جمع وحصر القطع المهمة وتسجيلها وإخفائها في مخازن آمنة وأغلقت معظم المواقع، وأثبتت هذه التدابير حتى الآن فعاليتها.

خلال الثورة، نجت الغالبية العظمى من المواقع التراثية من الصراع بفضل دور المجتمعات المحلية والمؤسسات التراثية التي اعتنت بأمنها.

بدأ التدمير المنهجي للتراث أولاً بالمواقع الصوفية في أكتوبر 2011 في طرابلس. انتشر هذا الاتجاه إلى أجزاء أخرى من ليبيا حيث دمرت عدة مواقع. وشملت هذه المواقع المزارات الصوفية والمساجد والمقابر والتماثيل في الأماكن العامة والنافورات.

في عام 2014 تحدثت مديرة اليونسكو العامة “إيرينا بوكوفا” ضد هذا التدمير قولها: “لا يمكن النظر إلى هذه الهجمات على أنها أضرار معزولة أو جانبية. إنها تحدث في سياق عالمي من الهجمات المتكررة والمتعددة ضد التراث الثقافي، في ليبيا وأماكن أخرى، مما يهدد التماسك الاجتماعي ويغذي العنف والانقسام داخل المجتمع.

تبذل المؤسسات التراثية قصارى جهدها لحماية المتاحف والمواقع العديدة. هذه الجهود تعوقها قلة الوعي بالتراث وعدم الانضباط بين قوات الأمن.

تلقت ليبيا الدعم من مختلف المنظمات مثل اليونسكو والبعثات الأجنبية والبنك الدولي والمنظمات غير الحكومية (مثل ICROM و ICOM و ICOMOS). وكان معظم الدعم في شكل تأمين مواقع التراث، والمناطق التاريخية، والمؤسسات الثقافية، وتوثيق الثقافة المادية والخطوات نحو تعزيز الإطار القانوني والمؤسسي في ليبيا لحماية التراث وإدارته.

تم تقديم هذا الدعم بأشكال عديدة بما في ذلك التدريب والتقييم والبرامج التعليمية وحتى التعليقات المصممة بالتعاون مع مصلحة الآثار.

لكن إذا استمر عدم الاستقرار والعنف الذي عانت منه ليبيا في السنوات الأخيرة فإن وضع التراث الثقافي في ليبيا سيكون في خطر، ولكن لا تزال ليبيا أحسن حالا من العراق و سوريا.

من المتسبب الأكبر بما لحق بتراث ليبيا من أضرار وسرقات؟ وهل قام مسؤولو الآثار في ليبيا بما يجب أن يقوموا به؟

في السنوات الأخيرة تعرض التراث الثقافي الليبي إلى ضربات متتالية وفُقدت الكثير من الممتلكات الثقافية؛ بسبب السرقات وتدمير المتطرفين والتجاوزات الحضرية والاستيلاء على الأراضي.

تواجه الحكومة والشعب الليبي تحديات كبيرة وجدية لسلطتها ومؤسساتها وثرواتها من الموارد الطبيعية والتراثية، وبحماية هذا التراث شعرت بعض المجتمعات المحلية بإمكان تعزيز الهوية الثقافية من خلال التأكيد على القيم التاريخية والعلمية والثقافية، التي بدورها تشجع على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

الأسباب الحقيقية هي قصور منذ أعوام طويلة في ربط الهوية الليبية بتراثها الثقافي المادي وغير المادي، بعدم إدخال هذا التراث العظيم في المناهج التربوية ما قبل الجامعية.

وفي الختام أود أن أناشد المسؤولين عن إعداد المناهج، العمل على إدخال مواد تراثية في المناهج المدرسية الليبية باعتباره مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الليبية الذي يتماشى مع الهدف الأول في السياسة التربوية، وهو الهوية الوطنية، كما أنني أشكر اللجنة الوطنية الليبية للتربية والثقافة والعلوم ليبيا على مجهوداتها لدعم التراث في المناهج المدرسية الليبية.

نجاح اختبار النموذج الثاني للطائرة المسيرة التركية “بيرقدار أقينجي تيها”

بعد استجابة حفتر للضغوطات الدولية وفتح النفط…. ما مصير مرتزقة الفاغنر؟