لا أحد يجهل الموقف العدائي الذي تسلكه الإمارات ضد تركيا، حيث تتبنى الإمارات سياسة ضد تركيا في كل الأصعدة، ظانة أنها تحاول قطع الطريق أمامها. وبالطبع نحن لا نتحدث عن منافسة ضمن قواعد مشروعة وحدود مضبوطة، بل نتحدث عن عداء لا يمت للأخلاق بصلة ولا يعترف بقواعد، يقوم على الدسائس والألاعيب والحملات الممنهجة. بينما تركيا طالما تحاول عبر سياساتها الأكثر إنسانية وإيجابية، أن تكبح جماح هذه التحركات اللاأخلاقية وغير القانونية.
الكل يعلم كيف ساهمت تركيا في إخراج الصومال من فوضى عارمة وحالة عدم استقرار وأزمات إنسانية خطيرة، نحو تأسيس دولة معتبرة ذات مؤسسات. ولقد واصلت تركيا جهودها إلى حين تأسيس هذه الدولة القوية في الصومال، دون أن تعبأ بالإمارات ولا بغيرها، حتى ساد الاستقرار الوضعَ هناك، بينما الإمارات في الوقت تحاول بكل ما تملك جرّ البلاد نحو حالة من الفوضى من جديد. ولقد تم الإمساك بها في الجرم المشهود وهي تدعم عميات انتحار إرهابية قام بها “تنظيم الشباب” الإرهابي في الصومال.
الشيء ذاته ينطبق على أنشطة الإمارات في سوريا؛ لا تملك تركيا أي هدف في سوريا سوى توفير الاستقرار في سوريا، والحياة الآمنة التي يستحقها السوريون على أراضيهم ووطنهم، حتى يتمكن السوريون الذين اضطروا لترك منازلهم ووطنهم من العودة إلى هناك. أما الإمارات فإنها حينما تدعم بعض المنظمات هناك فإنها بالتأكيد ليس لديها بُعد حول الهيمنة على سوريا وتأسيس نظامها الخاص هناك، لا؛ بل كل ما تريده هو استمرار الفوضى بشكل متواصل لتشكيل دائرة فوضوية تحيط بتركيا وتحاصرها.
والموقف ذاته طبعًا ينطبق على أنشطة الإمارات في ليبيا. فضلًا عن دعمها منظمة غولن الإرهابية، وبي كا كا الإرهابية، ومنظّمي الانقلاب في تركيا.
لكن السؤال؛ متى فعلت الإمارات جميع هذه الأشياء، أو بالأحرى متى بدأت في ذلك؟ لقد كانت تفعل ذلك في الوقت الذي لم تكن هناك أي أزمة بين تركيا وذاك البلد، وكانت العلاقات من الخارج تبدو وكأنها عادية للغاية. ما يعني أن مبدأ الضحك في الوجه والطعن من الخلف هو المبدأ الذي كانت ولا زالت الإمارات تتبناه، أو بالأحرى المبدأ الذي يتسم به أبناء زايد.
لكن يمكن أن تتساءلوا؛ هل الإمارات تفعل ذلك ضد تركيا حصرًا؟ في الواقع، حين النظر إلى السياسة التي تلعبها ما بين السعودية وإيران مؤخرًا، يمكن أن نقول بأن ممارساتها تلك ليست منحصرة ضد تركيا فحسب.
تابعنا خلال الأيام القليلة الفائتة لقاء عبر الفيديو، جميع بين وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. وكالة الإمارات الرسمية أظهرت اللقاء على أنه تناول التطورات السياسية في المنطقة، وأزمة فيروس كورونا كوفيد-19، إلا أن تصريحات مهمة أغفلتها الوكالة، دارات حول تأسيس اتفاق استراتيجي ما بين الإمارات وإيران.
الغريب في هذا الأمر واللقاء، هو أن البلدين يسعيان بكل ما يملكان لمثل هذه العلاقة الاستراتيجية، على الرغم من خطاب العداء “الظاهري”، والصراع العميق بسبب احتلال إيران 3 جزر إماراتية.
بالطبع وحتى لا يُساء فهمنا، نحن لا نريد من هذا الطرح أن نقول بأننا ضد أن يكون هناك علاقات استراتيجية بين الدول الإسلامية فيما بينها، بل على العكس نحن ننظر لجميع الدول الإسلامية دون تفريق ونتمنى أن تحكمها جميعها علاقات قوية. بمعنى آخر، نتمنى ونقول ليت الدول الإسلامية كلها تعيش وحدة واستقرارًا فيما بينها، وتقوم على حل جميع المشاكل فيما بينها بالحسنى، وتحلّ فيما بينها جميعًا كلّ مشاكل التخلف العالقة والمزمنة كسوء التعليم والجوع والبطالة والحكم الفاسد والحريات المعطلة. ولذلك السبب لا يسعنا سوى أن نكون سعداء بانتهاء العداء والخصومة بين أي دولتين مسلمتين. إلا أن أي دولتين مسلمتين لو كانت النية من تأسيسهما علاقة مشتركة هي الإضرار بالدول الأخرى، والبحث عن مكائد جديدة، وتأسيس تحالف شر جديد؛ فمن المؤكد أنه لا يمكن أن نتوقع خيرًا من ذلك.
دعونا نتذكر؛ حينما خرجت السعودية والإمارات في اتفاق رباعي ضد قطر، انبثق عن 13 مطلبًا على قطر أن تنفذه دون شروط مسبقة، ألم يكن حينها من بين تلك المطالب قطع العلاقات التجارية تمامًا مع إيران!. بينما الإمارات فرضت حصارًا وعقوبات على قطر بسبب علاقاتها التجارية مع إيران، فإنه بحسب بيانات منظمة الجمارك الإيرانية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران 13.5 مليار دولار. نحن نأمل أن يتطور هذا التعاون أكثر وأكثر، فلا مشكلة لدينا في ذلك، وليرتفع حجم التبادل التجاري بين الدول الإسلامية أكثر من ذلك بكثير؛ إلا أنه لماذا قطر فقط تُلام وتُعاقب على ذلك؟.
الإمارات ذاتها لامت سلطنة عُمان كذلك الأمر للسبب ذاته أي العلاقات التجارية مع إيران، حيث هاجم الإعلام الإماراتي، وكذلك المستشار السابق لمحمد بن زايد وأحد الأمراء المهمّين في الإمارات، عبد الخالق عبد الله، سلطنة عُمان حينما قام وزير خارجيتها بلقاء نظيره الإيراني، حيث كتب عبد الله بتغريدة على تويتر، اعتبر فيها أن هذا اللقاء والعلاقات بين الطرفين لن تجلب أي نتائج إيجابية لدول المنطقة.
هذا التناقض اللافت في منهجية العلاقات الإماراتية، لا بد أن يطرح على الأذهان سؤالًا حول نوع الولاء والصداقة الذي يمكن أن تتمتع به الإمارات إزاء حليفتها الأهم السعودية. يعني هل تقتضي العلاقة الاستراتيجية الجديدة بين الإمارات وإيران، أن يكون الهدف الجديد لها هو السعودية، التي تعتبر العدو الأبرز لطهران في جميع المحافل؟
الحوثيون في اليمن المدعومون من طهران مباشرة يوجهون صواريخهم التي يحصلون عليها من إيران، نحو العاصمة السعودية الرياض مباشرة. بينما لم نشهد صاروخًا حوثيًّا واحدًا توجه صوب الإمارات، بينما هي تعتبر هدفًا أقرب لهم من السعودية.
إذن هل سيشمل هذا التعاون الاستراتيجي والتقارب مع إيران، التقاربَ مع الحوثيين الذين لا يفترون عن ضرب السعودية باستمرار؟ في هذه الحالة من سيقوم بحماية السعودية التي من المفترض أنها الحليف الأقرب والمصيري للإمارات من مكائد الإمارات نفسها؟!.
لا علينا من هذا لنعتبره غير مهم، ودعونا نسأل من الذي سيحمي الإمارات ذاتها من نفسها بينما تبحر في هذه المياه الخطيرة؟ حيث أن النتيجة المتوقعة لهذا النوع هي تدمير نفسها بنفسها. لكن في النهاية علينا تحذير أصدقائها منها.
المصدر: صحيفة يني شفق التركية