Menu
in

الدور المغاربي في الأزمة ووهم “الحل الليبي الليبي”

التحرّك الجزائري النشط بخصوص الأزمة الليبية وتصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد حول رؤيته لحلّ الأزمة والتحركات المغربية الخجولة تستدعي الوقوف عند حيثيات الموقف المغاربي ومدى أهميته وهل يمكن التعويل عليه؟

الأزمة الليبية في أروقة السياسة التونسية:

تداولُ الأزمة الليبية في فواعل السياسة التونسية يعكس حالة الصراع الذي تعيشه تونس داخلياً بسبب عملية سياسية هشّة، ومحاولات حثيثة من دول محور الاستبداد العربي لإدخال تونس في حالة فوضى واحتقان بعد نجاحها الصعب في تحنّب هذا المنزلق منذ 2011، وما حدث في البرلمان التونسي من محاولة بعض القوى السياسية الممولة إماراتياً توظيفَ الملف الليبي لتهييج الشارع والإخلال بحالة التوازن السياسي الضعيف دليل واضح على هذا الصراع، وهو ما يجعل تونس غير قادرة على التأثير في الملف الليبي بشكل فعّال.

وما يؤكد ضعف الدور التونسي في الوقت الحالي ومستقبلاً هو تصور الرئاسة التونسية غير الواقعي للأزمة الليبية، فتصريحات “سعيّد” التي تعكس فهماً مغلوطاً للصراع في ليبيا وإدراكاً سطحياً لمجريات الأحداث في بلد جار وتربطه معه ملفات مهمة على الصعيد الأمني والاقتصادي، يجعل تونس خارج معادلة التأثير في الملف الليبي، فإصرار “سعيّد” على أن الحل هو في جمع القبائل الليبية وتوافقها على دستور أمر مسيء لليبيين، وصادم لهم وللتونسيين الذين انتخبوه كممثل لزخم ثورة الياسمين، فكيف لمن يأتي من خلفية حقوقية وينادي بمبادئ الحرية والعدالة أن يتغاضى عن جرائم حفتر وعدوانه وانتهاكاته وطموحه في الاستيلاء على السلطة عسكرياً، ليجعل الخلاف الليبي بين زعماء القبائل وأعيان العشائر.

الإصرار الجزائري على التحرّك دون فهم:

التحرك النشط للدبلوماسية الجزائرية تجاه الأزمة الليبية دون فهم واقعي لحقيقة الصراع والإصرار على تبنّي رؤية غير منتِجة ولا يمكن التعاطي معها من أطراف الصراع، يجعلها هي الأخرى فاقدة لأي تأثير، فالوقوف على مسافة واحدة من أطراف الصراع والمحاولات العابثة للجمع بينهما دون امتلاك أي أدوات أو رؤية للحل لن يشجّع أي طرف على التعاطي بجديّة مع هذا الطرح، ولن يتجاوز التفاعل معه المجاملة السياسية الملتزمة بالترحيب بأي مجهود ضمن عموميات لا يرفضها أحد، واعتقاد الحكومة الجزائرية أنّ مجرّد الجمع أو التواصل مع مختلف الأطراف مكسب سياسي لها يؤكّد أنّ دورها لن يخرج من دائرة المناكفة لمصر الداعمة لحفتر، والمغربِ التي استضافت حوار الصخيرات الذي أنتج الاتفاق السياسي.

المساعي المغربية في تأكيد دورها الموهوم:

من حظّ المغرب أن اختارتها بعثة الأمم المتحدة لاستضافة الحوار السياسي بين الأطراف الليبية، والذي تُوّج بتوقيع الاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية، وهو ما جعل المغرب تستغلّ الفرصة لتنسب فضل هذا الاتفاق إليها، مع أن المغرب لم يتعدّ دورها الاستضافة الكريمة التي نشكرها -وإن كانت مدفوعة التكاليف-، وتحاول المغرب من خلال هذه الاستضافة تسجيل نصر سياسي على منافستها الجزائر، لذلك فإن التعاطي المغربي مع الأزمة الليبية لا يتعدى كونه ردّات فعل على الحراك الجزائري، ولا يضع في أولويات سياسته الخارجية الملف الليبي.

العجز المغاربي يعكسه التوافق على وهم أن الحلّ “ليبي ليبي”:

ربّما كان هناك تعويل على دور مغاربي مؤثر في الأزمة الليبية، خاصة بعد التصريحات التي تلت بداية العدوان على العاصمة طرابلس، غير أن مجرّد التصريحات وما يجمع المغرب الكبير من هوية متقاربة وثقافة مشتركة أثبت أنّه غيرُ كافٍ لتوافق هذه الدول على تحرّك موحّد يدعم الليبيين ويؤثر إيجاباً في حل الأزمة، فالتزام هذه الدول بسياسة الحيتد الحذر يجعلها غير قادرة على التأثير، وتوافقها على الحل للأزمة ينبغي أن يكون ليبيّاً ليبيّاً يؤكّد عدم الجدّيّة والواقعية في التعاطي مع الأزمة الليبية، وهل يُعقل أن مجرّد المناداة بهذا الشعار سيُنهي التدخّلات الخارجية المدفوعة بالتنافس حول المصالح والنفوذ في ليبيا؟

هذه التدخلات لن تنتهي إلا بتوافق هذه الدول على صيغة تضمن مصالحها، وكل من يلزم الحياد ويدندن بالشعارات لن يتجاوز دور المتفرّج، وربّما أصبح هو أيضاً ساحة للصراع.

التدخّلات الخارجية في ليبيا وفي المنطقة بشكل عام فرضها الواقع السياسي الهشّ الذي جعل الدول ذات المصالح أو المشاريع الإقليمية تنخرط في هذا الصراع وغيره من الصراعات، وهو ما أجبر تركيا التي كانت تتبنّى سياسة (الصفر مشاكل) على التخلّي عن هذه السياسة، لأنها أدركت أن سياسة المحاور في المنطقة تتوسّع ومن لم يكن جزءاً فاعلاً في أحد المحاور سيكون جزءاً من مشاريع هذه المحاور، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا كانت خير برهان، وأعتقد أن الدول المغاربية لن تكون استثناءً من صراع المحاور الحالي في المنطقة، والذي سيحدّد الوجه المستقبلي لمنطقتنا.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version