Menu
in

الدور التركي في ليبيا.. تحالفٌ أم احتلال؟

زيارة الوفد التركي رفيع المستوى إلى طرابلس زادت من ضجيج أصوات معكسر الكرامة، الذي أصبح يدّعي أن حربه التي يخوضها في ليبيا هي لمقاومة الاحتلال أو الغزو التركي، وأنه لن يسمح للأتراك وأردوغان أن يحيوا أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي يحلمون بها.

هذا الخطاب المضلّل هو حجة جديدة لحفتر ومعسكره يحاول من خلالها إيجاد مبرّر لحروبه الخاسرة، فمشروعه يقتات على دماء وأشلاء الليبيين، ولا يمكن أن يستمرّ دون حرب تكون شماعة يعلّق عليها فشله وجرائمَه، ومع هذا فإن الحديث عن الدور التركي وقراءته بواقعية أمر لابدّ منه في ظل الضخّ الإعلاميّ الهائل الذي يشكّل الوعي الجمعي دون مقدرة على إيقافه أو التحكّم فيه.

استخدام مصطلح الاحتلال أو الغزو التركي من قبل الآلة الإعلامية الموالية والتابعة لحفتر هو استخدام تعبوي، الغرض منه التحشيد الشعبوي وخلق عدو وهمي لدى حاضنة معسكر الكرامة بما يساعد على تماسك هذا المعسكر ويحميه من تداعيات الهزيمة التي مُنِي بها على أسوار طرابلس، ومصطلح الاحتلال التركي أو العثماني الذي درسناها في مناهجنا التعليمية هو -في الأصل- وليد الفكر القومي الذي رسّخته الأنظمة الاستبدادية، والتي جعلت الفكرة الإسلامية مصادِمة للوحدة القومية، لذلك اعتبرت تمدّد الدولة العثمانية في القطر الإسلامي احتلالاً، وهذه قراءة للتاريخ خارج سياقها الذي لم يعرف في ذلك الوقت مفهوم الدولة القومية (العربية)، كما أن دخول العثمانيين إلى ليبيا كان بدعوة أهل البلد في ذلك الوقت الذين استنصروا بهم على الحملات الصليبية التي قادها الإسبان وفرسان القديس يوحنا، وهذا لا يعني أن الدولة العثمانية لم تخطئ في سياساتها في فترات حكمها، ولكن أيضاً لم يكن هناك الشعور القومي الذي يرى الحكم العثماني حكمَ احتلال، والبحث التاريخي يشير إلى أن بدايات الحركة القومية العربية برزت في أواخر القرن التاسع عشر، فاستخدام مصطلح احتلال أو غزو تركي ليس إلا إصراراً على قراءة التاريخ بالعقلية القومية الفاشلة التي لم تستطع إنتاج مشروع حقيقي ينهض بالأمة، بل رسّخت الاستبداد وقتلت أي محاولة للنهضة، وانتهت بنا اليوم إلى محاولات التطبيع مع الصهاينة ومعاداة امتدادنا الإسلامي الصاعد الذي تمثّل تركيا أبرز دُوَلِه.

ومما يؤكّد أن استخدام مصطلح الاحتلال أو الغزو التركي ليس إلا شعاراً تعبوياً يستخدمه معسكر الكرامة، هو التورّط الأكيد لهذا المعسكر في الاستعانة مبكراً بفرنسا ثم بالمرتزقة من روسيا والسودان وتشاد، وتلقيه الأوامر والدعم من الإمارات ومصر والسعودية، وتصريح حفتر نفسه بأنه سيقدم مصلحة مصر على مصلحة ليبيا، وغيرها من التصريحات المشابهة التي أدلى بها بعض أتباعه وكذلك قالها رئيس مجلس نوّاب طبرق عقيلة صالح، فهل السيادة تتجزأ أم أن الغزو يختلف باختلاف الغازي؟

عدوان حفتر على العاصمة، وإصراره على بلوغ السلطة فوق الجماجم والأشلاء هو الذي وسّع دائرة التدخّل الخارجي في ليبيا، وجعلها ساحة للصراع الإقليمي، وهو ما جعل حكومة الوفاق تبحث عن حليف يدعمها ويساندها في حربها التي لم تكن تخوضها ضد حفتر فقط، بل ضد مشروع إقليمي سخّر له محور الاستبداد العربي (الإمارات ومصر والسعودية) الأموال والعتاد والتحرّك الدبلوماسي والترويج الإعلامي، وقد تقاطعت مصالح حكومة الوفاق مع المصالح التركية، وهو ما أدّى إلى شراكة علنية وواضحة نتجت عن توقيع مذكرتي تفاهم نقلتها وسائل الإعلام ووُثّقت في سجلات الأمم المتحدة، على عكس التحالفات الخبيثة لمجرم الحرب حفتر التي تفضحها التقارير الأممية والصحافة العالمية، ويتبرأ منها وينكرها داعموه.

إن تحالف تركيا مع حكومة الوفاق مبنيٌّ على تحقيق مصالح للطرفين، وهذا أمر واضح ومشروع، وهو قائم على احترامِ السيادة وتأكيدِ شرعية حكومة الوفاق، ولذلك كان تحالفاً معلناً وثّقته كاميرات الصحافة ونقلته شاشات القنوات، ورغم حالة الصراع التي تعيشها ليبيا اليوم، فإن دخولها في هذه الشراكة والتحالف وخروجها من حالة الحياد الباهت الذي تتبنّاه كثيرٌ من دول المنطقة سيضمن لها موقعاً مهماً ومؤثراً في المنطقة بما لها من خصائص إستراتيجية تؤهلها للصعود الإقليمي متى ما حققت الاستقرار.

ولابد في سياق الحديث عن الشراكة مع تركيا أن نؤكد على أن حكومة الوفاق مطالبة برفع مستوى أدائها لتتمكن من مجاراة حليفها والاستفادة من شراكتها معه بأكبر قدر ممكن، ولن يتحقق هذا إلا بإصلاح مؤسساتها ومحاربة الفساد داخلها وتحقيق أعلى درجات الشفافية والرشاد في الإدارة.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version