في منتصف فبراير الماضي أعلنت حكومة الوفاق تعليقها محادثات اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في مدينة جينيف السويسرية بعد استمرار ميلشيات حفتر قصفها للعاصمة طرابلس وتواصل انتهاكاتها للاتفاق الموقع حينها.
وتوالت العمليات العسكرية على الأرض، وشهدت تطورا في الشهرين الأخيرين، وطردت قوات الجيش ميليشيات حفتر من الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وتقدمت في محاور جنوب العاصمة، حيث باتت هزيمة ميلشيات حفتر وشيكة في آخر بؤرهم في محيط العاصمة.
لكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعلنت بشكل مفاجئ قبول كل من حكومة الوفاق وحفتر، استئناف محادثات اللجنة العسكرية المشتركة، مشددة ضرورة التزام الطرفين بتفويض ممثليهم في المفاوضات تفويضاً كاملاً يمكنهم من استكمال اتفاق وقف إطلاق النار.
وطالبت البعثة الدول الداعمة باحترام ما اتفقت عليه ضمن مخرجات مؤتمر برلين، وقرارات مجلس الأمن المتعددة خاصة، ووقف جميع أشكال الدعم العسكري بشكل نهائي.
لكن لماذا جاء هّذا الإعلان في هذا التوقيت خاصة بعد طلب حفتر من الخارجية الألمانية طرح هدنة إنسانية عقب هزائمه المتتالية؟ وهل تستجيب الوفاق لهذا الضغط الدولي؟ أم أنها سترحب به من باب الدبلوماسية السياسية؟ وتستمر العمليات العسكرية على الأرض؟
دور فرنسي
الكاتب والصحفي عبد الله الكبير قال، إن البعثة الأممية أعلنت استئناف المحادثات، ولكن لا حكومة الوفاق وافقت ولا حفتر وافق، ما يعني أن كلاهما قبل على مضض رضوخا لما مورس من ضغط دولي عليهما.
ورأى الكبير، في تصريح للرائد، أن حفتر لا يرغب بإنهاء الحرب، ولم يدرك حجم خسارته بعد، أما المجلس الرئاسي فهو يتنازل بهذه الموافقة على أهم شرط، وهو عودة القوات المعتدية، ووقف استهدافها للعاصمة.
وأوضح الكبير، أن فرنسا هي من تسعى لعودة هذه المفاوضات مستغلة مخرجات مؤتمر برلين لاستعادة فعاليتها في ليبيا بعد زيادة نفوذ قوى كبرى مثل روسيا وتركيا، وتراجع الدور الفرنسي الذي كان حتى وقت قريب أكثر فعالية من كل الدول المنخرطة في الصراع، وليس من المتوقع أن تسفر المفاوضات إن عقدت عن أي نتائج ملموسة.
منزلق آخر
قال الكاتب والمحلل السياسي فرج دردور، إذا صح بيان البعثة، وقبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج استئناف المحادثات فهو منزلق آخر يقع فيه السراج مثلما ما حدث في اتفاق باريس، والذي كان الخبث الفرنسي يهدف في ذلك الوقت إلى إدخال حفتر في المشهد، عن طريق الشرعية العسكرية فأصبح حفتر شرعية عسكرية والسراج شرعية مدنية.
وأضاف دردور، في تصريح للرائد، إذا وافق السراج فهو تماما يكون “الغباء الذي عرفٌه أينشتاين بأنه القيام بنفس الشيء مرتين بنفس الأدوات وانتظار نتائج مختلفة” وفق وصفه.
وأوضح دردور أن السبت الماضي كان هناك اجتماع بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السياسي والفرنسي “إيمانويل ماكرون” ناقشا فيه الوضع الليبي، وكانت نتائج الاجتماع هو تواصل وزير الخارجية الفرنسي “جان ليف لودريان” مع السراج وطلب العودة للمفاوضات، وهذا ما حدث بالفعل، وهو عبارة عن محاولة لإنقاذ حفتر من الهزيمة، منوها بأن سكوت الرئاسي يبين وجود علة في الموضوع.
طرف متعنت
ورأت الناشطة السياسية غادة باسم أنه في حال وافق المجلس الرئاسي على استئناف محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 فلا بد من عدم التخلي عن الشروط الأساسية للوضع الحالي التي أعلنت عنها حكومة الوفاق.
وأوضحت باسم، في تصريح للرائد، أن هده الشروط تتضمن رفضا قاطعا لوجود حفتر في أي مشهد سياسي وحوار، ودحر عدوانه وإرجاعه من حيث أتى، مشيرة إلى أنها ترى الموافقة تسير بالتوازي مع العمليات العسكرية وليس ضدها وهي الغطاء السياسي الشرعي لها.
وقالت باسم، إن المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية ومبعوث ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني أكدوا في وقت سابق وإلى الآن رفضهم وجود حفتر في المشهد السياسي، معتقدة أنه إذا ظهرت الموافقة من حكومة الوفاق فهي من باب العمل السياسي المستوجب لعدم جعل الحكومة في موقف الطرف المتعنت أمام الجهات الخارجية ويؤخذ عليها من الدول الداعمة لعدوان حفتر لإضعاف موقفها ولا يعني الهزيمة كما يروجه داعمو العدوان.
فهل نشهد ضغط دوليا لابقاء حفتر في المشهد السياسي أم أن مجريات العملية العسكرية على أرض الميدان ستكون لها الكلمة الفصل؟