in

السراج ولجانه في مهبّ صراع المؤسسات

حالة التجاذب التي بدأت تزداد عمقاً بين المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق مع بعض المؤسسات السيادية وفي مقدمتها مصرف ليبيا المركزي، بدأت تثير القلق والتساؤل عن نهاية هذا التجاذب وأثره على العملية السياسية ودوره فيها، خاصة بعد أن ارتفعت وتيرته وأصبح أكثر ظهوراً من ذي قبل.

يتفق الجميع أن غياب السلطة التشريعية الفاعلة هو السبب الرئيسي الذي جعل من حالة التجاذب وتنازع الصلاحيات والاختصاصات هو ما يهيمن على العلاقة بين المجلس الرئاسي وغيره من المؤسسات خاصة المصرف المركزي، ولو كانت السلطة التشريعية ممثلةً في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في مستوى ما يناط بها لكان الاتزان بين المجلس الرئاسي وغيره من المؤسسات هو السمة الأبرز للعلاقة فيما بينها.

أيضاً من أسباب هذا التنازع “الصراع” أن المؤسسات السيادية التي لم تتغير إداراتها منذ 2011 و 2012 يتمسك مَن يرأسها بمناصبهم، ويحاولون ابتزاز المجلس الرئاسي وعرقلة أداء حكومته لإظهار مدى حرصهم على المصلحة الوطنية -بحسب وجهة نظرهم-، وليثبتوا أنهم أصحاب سلطة قادرة على إصابة السلطة التنفيذية بالشلل، وهذا ما يدخلنا في حالة من استعراض المواقف في ظل حالة تأزّم وطني، يزيده تضييع الوقت في هذا الاستعراض صعوبةً وتعقيداً.

غير أن هناك سبباً مهماً يجعل من حالة الصراع هذه حادّة وظاهرة تتمثّل في إدارة المجلس الرئاسي لحكومته، هذه الإدارة التي يتفشّى فيها الفساد ويعلن عن نفسه صريحاً دون أي مواربة أو استتار، فحالة الفساد المصحوبة بضعف القيادة في المجلس الرئاسي مستفزة وتحث على عرقلة هذه السلطة التي تمثل لها الأزمات مواسم لنهب الميزانيات وإهدار المال العام بدل معالجتها والتخفيف من تداعياتها.

ويمكن القول: إن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج منذ العدوان على طرابلس اتبع أسلوباً مدمراً في إدارة الأزمة، وبدأت تبعاته تظهر بعد حالة الإغلاق النفطي وانهيار أسعاره الذي صاحب جائحة كورونا العالمية، هذا الأسلوب الذي تمثّل في إفراغ وزارات حكومته من صلاحياتها وتحويل هذه الصلاحيات إلى لجان الأزمات التي شكّلها، والتي تتكرر فيها أسماء الأعضاء وتخصص لها ميزانيات الطوارئ، ويتم إنفاقها دون مراقبة صارمة أو تحقيق أي تقدم ملموس في معالجة الأزمات أو التخفيف منها.

السراج بهذا الأسلوب أصبح يرأس مجموعة من لجان الطوارئ التي يشغلها نفس الأشخاص الذين بدأت الأصوات تتعالى متبرّمةً من سوء أدائهم، ومنزعجةً من نَتن الفساد الذي يلاحقهم، وصارت أغلب وزاراته خارج الخدمة إذا ما استثنينا وزارة الداخلية التي رغم المعرقلات وغياب الدعم من المجلس الرئاسي استطاعت أن تحقق الكثير خلال عام شهد عدواناً مدمراً على العاصمة، فوزارة التعليم التي صدر قرار بإعادة هيكلتها إلى وزارتين في غضون شهر لازال يسيرها عضو المجلس الرئاسي محمد العماري، ووزارة الصحة يسيرها وكيلها محمد هيثم من خلال اللجان الذي كلف بعضويتها برغم ما يثار حوله من شبه فساد، ووزيرها مجرد ديكور مكمّل للمشهد، ووزارة الدفاع ليس لها وزير، ووزارة الحكم المحلي لا دور يذكر لها، ووزارة العدل مضربُ المثل في تقصيرها المتعلق بالجانب الحقوقي والقانوني لعدوان حفتر على العاصمة، ووزارة المالية مسرح لصراع السراج والكبير على الصلاحيات والاختصاصات، ووزارة الخارجية لا تعرف إلا ردات الفعل البطيئة مع أي تطور دولي.

إن هذا المسلك الذي يسلكه السراج في إدارة الدولة لن يؤدي به إلا إلى حالة من الانعزال والتقوقع، بعد أن ينفضّ عنه التيار الوطني الذي التفّ حوله بعد العدوان على طرابلس، وهذا ما سيجعل الإطاحة به سهلة إذا ما استمرّ في هذا المسلك، والاغترار بحصانة الأمر الواقع التي توفّرها له حالة الجمود السياسي وتعطل السلطة التشريعية، لن تجديه نفعاً إذا ما تغيّر هذا الواقع، والأولى به سرعة إصلاح حكومته وحث مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للضغط على محافظ مصرف ليبيا المركزي لإنقاذ الإصلاحات الاقتصادية، بدل المناكفة معه بما لا طائل منه إلا إنهاك المواطن وامتحان صبره الذي كاد أن يبلغ حدوده.

انطلاق عملية “إيريني” في المتوسط، ومطالبات للوفاق باتخاذ مواقف حازمة تجاه فرنسا

السراج: الرد على استهداف المدنيين سيكون قادماً ورادعاً وموجعاً