Menu
in

غسّان سلامة.. لذّة السلطة الخفيّة في الوساطة الأمميّة

في كل مرة يثير المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة التساؤلات حول العقلية التي ينظر بها إلى الأزمة الليبية ويتعامل من خلالها مع الليبيين، فغسان سلامة الذي يظهر في خطاباته الإعلامية حريصاً على حلّ الأزمة أكثر من الليبيين أنفسهم، ويتكلم بحالة من نرجسية الفهم العميق ويتظاهر بعاطفة الأب الحريص على مصلحة أبنائه أكثر منهم، يبدو أنه من وراء هذه النرجسية المستفزّة والعاطفة الزائفة يخفي استهزاءً بالليبيين جعله يظنّ أنّه قادر على التلاعب بهم، وأن يمرّر من خلالهم ما يراه هو ويقتنع به دون اكتراثٍ بالمشاركين في حواراتته الذين يريد منهم أن يكونوا دُمىً تُصدِّق على مقترحاته دون نقاش.

غسان سلامة تجاوز بقاؤه على رأس البعثة الأممية أكثر من عامين، دون تحقيق أي تقدّم يذكر، وطالما كان نصيب خططه ومبادراته الفشل، بدأ يثير تمسّكه بمهمته كمبعوث خاص للأمين العام في ليبيا الاستغراب -وربّما التندّر عند بعض الليبيين الذين يرونه أصيب بعدوى عشق المنصب-، فهل يشعر الرجل بأنّه يملك نوعاً من السلطة اشتهاه وأعجبه، ويحاول التلذّذ به ما أمكنه ذلك وواتته الظروف والأحداث؟ أم أن الرجل فعلاً يبذل جهوداً مخلِصةً لحل الأزمة الليبية؟

إن المتتبّع للخطوات التي يخطوها غسان سلامة منذ توليه لمهامّه في ليبيا يجد في آثارها محاولاتٍ لاستغلال حالة الهشاشة في الأجسام القائمة حالياً، يسعى من خلالها سلامة إلى تلفيق حلول تضمن مصالح الدول المتربصة بليبيا والمتدخلة في أزمتها غير عابئٍ بحقوق الليبيين وتطلعاتهم.

ويبدو هذا الأمر جليّاً وواضحاً في خطته لتفعيل مخرجات برلين، خاصةً فيما يتعلّق بالمسار السياسي، فمع إصرار سلامة على توازي انطلاق مسارات التفاوض (السياسية، والأمنية، والاقتصادية)، وهو ما يوفّر ربْكةً تفاوضية يستطيع المناورة من خلالها بأريحية، وتمكنه من الضغط بمسار على مسار آخر، فإنّه أيضاً يسعى في قيادة المسار السياسي وتوجيهه، حيث أعطى لنفسه حق اختيار ثلث التمثيل فيه، وهي كتلة ستمكنه من ترجيح الحل الذي يراه مناسباً، إضافة إلى أنه هو من وضع مقترحات برنامج الحوار وبنوده، مما يجعل عملية التفاوض مصممّة مسبقاً وفق رؤية غسان سلامة وتصوّراته.

زدْ على ذلك غياب الشفافية وغموض المعايير في اختيار هذه المجموعة التي أقحمها غسان سلامة متجاوزاً صلاحياته كوسيط أممي بين أطراف الأزمة إلى متحكّم في الصراع يحاول إدارته لصالح أطراف بعينها، خاصةً وأن كثير من هذه الشخصيات لا يعرف الليبيون ويقيم كثير منهم في الخارج وليس لديهم أي نفوذ أو تأثير في الفاعلين على الأرض، فكيف يكون لهؤلاء حق تقرير مصير الليبين؟!

ثمّ إن كان المسار السياسي يهدف إلى إعادة هيكلة المجلس الرئاسي إلى ثلاثة أعضاء وفصل مجلس الوزراء عنه، وفق آليات تعديل الاتفاق السياسي المنصوص عليها في الاتفاق نفسه، واستكمالاً لمسار الحوار الذي بدأ بين مجلسيْ النواب والأعلى للدولة، فمِن أين لغسان سلامة أن يقحِم طرفاً ثالثاً لهذا المسار وهو المُطالِب والمطالَب باحترام الاتفاق السياسي كإطار وحيد ومرجعٍ أساسي لأي حل سياسي.

أيضاً تغافل سلامة عن حلّ الإشكال في مجلس النواب وإصراره على تشكيل وفد من مجلس النواب وهو في حالة انقسام يؤكد بوضوح أن حالة الهشاشة والتصدّع التي تأتي بها الأطراف المفاوضة ستساعده في تمرير الأجندة التي يريدها، خاصة وأن ما سيتمّ التوافق عليه في جنيف سيصبح ملزِماً ومعتمداً بمضيّ 6 أسابيع عليه -حسب مخرجات برلين-، حتى وإن عجزَ مجلس النواب عن اعتماده، وهذا بلا شكّ لا يخدم الإرادة الليبية بقدر ما يخدم المصالح الأجنبية.

كما أن تجاهل مشروع الدستور وإقصاء هيئته المنتخبة من هذا المسار، هو انحياز واضح لمعسكر الكرامة الرافض لهذا المشروع، ومصادرة لحق الليبيين في أن يقولوا كلمتهم بخصوص عمل هذه الهيئة المنتخبة التي قامت بواجبها وفق الآلية التي حدّدت لها.

ولا يمكن تجاهل خطابه العائم الذي لا يحمل أي ملامح فيما يخصّ لقاءات لجنة 5+5 المتعلقة بالمسار العسكري والأمني، والذي يريد أن يستر به حالة الانسداد بعموميات مبهمة يكذبها الميدان، ليتهرّب من الإقرار بالفشل خاصة وأن صواريخ حفتر لازالت تدكّ الأحياء والمنشآت المدنية تحت غطاء هدنة منتهكة مهتوكة.

تعالي غسان سلامة وشعوره بأنه أحرص على الليبيين ممن يمثّلهُم جرَّأه أن يطلق المسار السياسي رغم إعلان كلّ الأطراف مقاطعة هذا المسار، ظانّاً أن فرض الأمر الواقع سيجعل هؤلاء المقاطعين يلتحقون به ليكتمل بهم ديكور المشهد الذي رسمه هوَ مسبقاً، لذا فإن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في طرابلس أمامهم مسؤولية تاريخية لإيقاف هذه المهزلة ووضع حدٍ لعبث سلامة المتمادي.

بقلم الكاتب : علي أبوزيد

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version