يسود اعتقاد لدى جمهرة كبيرة من الساسة والمراقبين والنشطاء أن الصراع القائم اليوم في ليبيا إنما هو لأجل السيطرة على المقدرات المالية للبلاد، واتجه التقييم الدولي للأزمة الليبية هذا الاتجاه حتى صار مطلب “توزيع الثروة” ضمن شعارات وأجندات المبعوث الأممي غسان سلامة.
تقدير حفتر الخاطئ
حفتر لم يكن معنيا بشعار توزيع
الثروة، فالغاية عنده السيطرة على مقاليد الأمور والتحكم في القرار السياسي
والعسكري ومن ثم الاقتصادي، لكنه لجأ إلى هذا المطلب بعد أن واجه صعوبات كبيرة في
تمويل عملياته العسكرية التي تضخمت نفقاتها بعد الهجوم على طرابلس.
تقدير حفتر الخاطئ لما يمكن أن يواجهه
عدوانه على طرابلس من مقاومة أحرجه أمام الداعمين، كما أن مسؤوليته كونه الحاكم
الفعلي للشرق تتطلب توفير التمويل لنفقات الحكومة الموازية خاصة في المجال العسكري
والأمني.
من هنا صار مطلب توزيع الثروة ضمن
الشعارات التي يرفعها حفتر، بل استخدم سيطرة حكومة الوفاق على الإيرادات النفطية
كدافع لإعادة النظر في إدارة المال العام بحجة هدره من قبل الوفاق وإنفاقه على
المليشيات والمجموعات الإرهابية.
في اعتقادي أن مطلب توزيع الثروة أخذ
بعده الدولي وصار ضمن مقاربات الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالشأن الليبي،
خاصة الداعمة لحفتر، بعد دخول تركيا على خط الأزمة الليبية وتوقيع الاتفاق العسكري
والأمني مع حكومة الوفاق.
إضعاف حكومة الوفاق
المعارضة الواسعة للاتفاق العسكري
والأمني التركي الليبي وقرنه باتفاق النفوذ البحري اتجهت إلى بدائل احتواء الاتفاق
بل وإسقاطه، ولا يساورني شك أن مطلب توزيع الثروة يتجه إلى إضعاف سيطرة حكومة
الوفاق على الإيرادات العامة، وما يدلل على ذلك هو ردة الفعل الدولية الفاترة تجاه
إغلاق الحقول والموانئ مقارنة بردود الفعل على حالات مشابهة سابقة.
وبالعودة إلى خطاب المجموعات المسلحة
والقبلية التي أقدمت على إغلاق الموانئ، وهو أمر لا يمكن أن يقع بدون موافقة أو
دعم حفتر، فإن اشتراطاتها تتركز حول تقسيم عوائد النفط على “الأقاليم”
أو قل السلطات النافذة اليوم، وهي حكومتا الوفاق والمؤقتة، عليه، وبالنظر إلى
اتجاه الموقف الدولي بالخصوص، فإن الأطراف الممثلة لحفتر وللحكومة المؤقتة في
اجتماعات القاهرة ستجعل من تقاسم الإيرادات جوهر نقاشها ولب مطالبها.
الخيار الوحيد الذي يمكن أن يؤخر مطلب
تقاسم الإيرادات، ويجعل منه مجرد ورقة ضغط، هو الإطاحة بمحافظ المصرف المركزي
والمؤسسة الوطنية للنفط واستبدالهم بشخصيات موالية لحفتر أو ذات حياد سلبي، وهو
ممكن في حال تم الأمر ضمن أجندة تفاوض شاملة تتضمن اتفاقا سياسيا وعسكريا، أما في
ظل استمرار حالة الصراع وعدم التقدم في الملفين السياسي والعسكري فإن هذا الخيار
متعذر.
وهو ما يقودني إلى التحفظ على تقديم
التفاوض حول الملف الاقتصادي على المفاوضات السياسية والحوارات العسكرية. وقد يقول
قائل إن حلحلة الملف المالي والاقتصادي سيسهل من التسوية السياسية وحتى العسكرية،
وذلك بناء على فرضية أن الصراع بالأساس مالي اقتصادي، ولكن أمام الاستقطاب الحاد
جدا لن يقبل الطرف الداعم لحفتر في التفاوض الاقتصادي إلا بدرجة من التأثير على السياسة
المالية والنقدية، وهو ما لا يمكن قبوله من قبل أنصار الوفاق.
بناء على ما سبق، فإن تعقيدات الأزمة
وتشعب النزاع ليصل إلى عمق إدارة المال العام في أقل تفاصيله، واستمرار حالة
التوازن في ميزان القوى بين الطرفين يعني أن التوافق على مقاربة تعزز وحدة القرار
المالي والنقدي ومنع ازدواجية المؤسسات السيادية أمر صعب، وأن الاتجاه الأقرب هو التفتيت
والتقاسم ثم التقسيم.
المصدر: عربي 21