في خطوة جديدة نحو تثبيت وقف إطلاق النار أعلن المبعوث الأممي غسان سلامة أن اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بدأت أولى اجتماعاتها في مدينة جينيف السويسرية؛ لغرض المفاوضات على تحويل الهدنة الحالية لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
وأشار سلامة إلى أن المحادثات تمت بحضور خمسة من كبار الضباط من كل جانب، دون إعطاء أي تفاصيل أخرى على الاجتماع، مضيفا أن الطرفين أعلنا موافقتهما على ضرورة وقف إطلاق النار، وفق قوله.
لكن في الوقت نفسه تستمر ميليشيات حفتر في خرق الهدنة، بل وشنت هجوما بريا مصاحبا بالطيران على منطقة أبوقرين، إلا أن قوات الجيش صدت الهجوم وكبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد قبل أن تشن هجوما مضادا مع قصف جوي شامل على منطقة الوشكة أصيب خلاله اثنان من قادة ميليشيات حفتر البارزين .
ويشكك العديد من المراقبين في احترام حفتر وموافقته على مخرجات هذه اللجنة العسكرية؛ نظرا لتاريخه السابق المليء بالخيانة والغدر، ونقض المواثيق والتعاهدات، وما ملتقي غدامس ببعيد .
معادلات مختلفة
الكاتب والمحلل السياسي محمد غميم رأى أنه من الصعب أن يلتزم حفتر وميليشياته بوقف إطلاق النار؛ لأن المجموعات المسلحة التابعة له غير منضبطة ولا تدين له بالولاء الكامل، ولديها معادلات تختلف عن معادلاته التي يتكلم عنها.
وأوضح غميم، في تصريح للرائد، أن المجموعات التي تتبع له تتكون من أشخاص من النظام السابق، وأُناس لديهم مشاكل في المنطقة الغربية وهو لازال يستمر في التحشيد، وأنها ستستمر في إطار تسويق أنه لن يتراجع على ما خرج لأجله في 4 أبريل الماضي، وهو استغلال الفوضى في البلاد؛ للوصول إلى الحكم.
وأضاف غميم، أن البعثة تحاول أن تبعث رسالة طمأنة وتحاول أن تمرر بعض النجاحات ولو كانت باجتماعات في غرف مغلقة، أما على أرض الواقع فحفتر معروف بعدم الانضباط وغير مؤهل للثقة وأن الدعم الدولي لا زال يصل إليه باستمرار.
وأكد غميم، أن حل الأزمة الليبية يكمن في إنهاء العدوان ورجوع ميليشيات حفتر من حيث أتت، ولكن حفتر لن يلتزم بهذا الأمر، وسيستمر النزيف.
وطالب غميم المجلس الرئاسي بالاستمرار في الضغط السياسي ودعم القوة العسكرية، خاصة وأن المجلس لا يزال يقدم يد الصلح وحقن الدماء، وفي هذا الطريق الذي يسير به نرى بداية النهاية لمشروع حفتر، وإنهاء أي حل عسكرية للأزمة الليبية.
مناورات جديدة
من جهته أكد المحلل السياسي أحمد الروياتي أن كل المؤشرات تدل على أن هناك مناورات من حفتر، ولا ينوي بالفعل دخول أي تسوية سياسية وحتى موافقته على تشكيل اللجنة العسكرية 5+5 لم تأت إلا بعد مرور خمسة عشر يوما على مؤتمر برلين.
وقال الروياتي، في تصريح للرائد، إن حفتر يحاول سرقة الوقت مثل ما سرقه في السابق؛ لحشد الأسلحة والمرتزقة الذين يجلبهم في الآونة الأخيرة وهذا ما أكدته الوكالات الأجنبية والصحف وتقارير لخبراء الأمم المتحدة ومواقع لرصد الطائرات التي أثبتت أن هناك جسرا جويا لتوفير ما يحتاجه حفتر لإكمال هجومه.
وأضاف الروياتي، أن محاولات حفتر لسرقة الوقت لسبيين إما لتحييد تركيا الداعم الأول للشرعية أو لتجهيز عملية عسكرية كبيرة أخرى حسب قوله، وأن ادعاء اللجنة العسكرية الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار هي مناورة إذا لم يتخذ أي إجراء ملموس بالفعل على الأرض خاصة بعد ما حدث الأيام الماضية في الوشكة.
تجارب سابقة
ومن جانبه رأى المحلل السياسي عبد المجيد العويتي أن تاريخ حفتر في كل تجارب التهدئة السابقة لن نجد ما يشجعنا للتفاؤل حيال الالتزام بالهدنة خاصة في ظل مراقبة التحشيدات الكبيرة التي لم تتوقف في المحاور وخرق ميليشياته وقف إطلاق النار في أكثر من مرة.
وأوضح العويتي، في تصريح للرائد، أن خرق حفتر للهدنة في الأيام السابقة هو طمأنة منه للداعمين المحليين والإقليمين بأنه قادر على المضي قدما في خياره العسكري وهذا ما يؤدي إلى استمرار الثقة فيه من قبل داعميه، مشيرا إلى عجز حفتر في إنقاص وتيرة الرصاص شيئا فشيئا إلى أن تنتهي عبر هذه اللجنة أو عبر رغبة دولية أكيدة، وبالتحديد رغبة روسية ربما تضع حدا نهائيا لتعنته، وفق قوله.
وبين العويتي، أن أفراد اللجنة الـ 5 يمثلون حفتر ولا يملكون من أمرهم شيئا، ويترجمون رغبة شخص معين سيوجههم بدل من أن يذهبوا بفكر أمني صرف يراعون فيه المصلحة الوطنية فإنه حتى لو خفت صوت الرصاص فإن خيار حفتر الشخصي ورغبة داعميه هو من سيوجه نصف اللجنة وتبقى في كل الأحوال مشكلتنا الدائمة مع الديكتاتورية قائمة حتى في مثل هذه التفاصيل.
كسب الوقت
المحلل السياسي علي أبوزيد اعتبر أن هذه المفاوضات لحفتر فرصة لكسب المزيد من الوقت؛ لإعادة ترتيب صفوفه وتحشيد الكثير من الدعم وهذا ما تدل عليه المعطيات الحالية التي تفيد باستمرار التحشيد.
وقال أبوزيد في تصريح للرائد، إن لهجة التفاؤل في تصريحات المبعوث الأممي غسان سلامة لا تعكس واقع التعقيد والصعوبة في هذه المفاوضات خاصة فيما يتعلق بتحديد نقاط التماس وضمانات لوقف إطلاق النار.
وأضاف أبوزيد، أن المجتمع الدولي لا يزال غير ملتزم بالإيفاء بتعهداته لإنجاح ما تم التوافق عليه في برلين.
الحلم بالحسم العسكري
المحلل السياسي فرج فركاش قال ، إن جدية التزام حفتر بوقف إطلاق النار الدائم ومخرجات لجنته العسكرية يعتمد على التدخل السلبي الأجنبي من بعض الدول التي لا زالت تحلم بالحسم العسكري مثل الإمارات، بالاضافة إلى بعض الأطراف المتحالفة معه مثل الميليشيات القبلية من الكانيات في ترهونة وبعض أنصار النظام السابق المتطرفين مما يسمى بـ”الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا” الذين أعلنوا بوضوح معارضتهم لأي هدنة ولازالوا يتوهمون الدخول إلى ميدان الشهداء وتحويله إلى “ساحة خضراء” من جديد . وفق تعبيره، مشيرا إلى أن هؤلاء لا زالوا يحاولون خلق المشاكل لتخريب هذه الهدنة والعودة لاستخدام لغة السلاح من جديد بعد أن وجدوا أنفسهم خارج اللعبة؛ بسبب اختياراتهم البائسة ..
وأوضح فركاش، في تصريح للرائد، أن الضغوطات الدولية أيضا كان لها دور بعد أن أصبح طريق الحل العسكري مسدودا مع التدخل والتوافق الروسي والتركي الذي أنتج الهدنة ومهد الطريق لانعقاد مؤتمر برلين، وما صدر عنه من مخرجات وأيضا تخوف من إصدار قرار مرتقب من مجلس الأمن يفعل فيه قرارات حظر السلاح السابقة وبآليات وعقوبات واضحة على المخترقين ..
لا خيار أمامه
الكاتب الصحفي عبد الله الكبير رأى أن التزام حفتر بوقف تام لإطلاق النار ليس مضمونا وأنه حتى الآن لا يبدو خيار آخر أمامه غير القبول.
وقال الكبير، في تصريح للرائد، إن استمرار التحشيد لا يعني بالضرورة تحين الفرصة لاستئناف الحرب ربما فقط لتثبيت ميليشياته في مواقعها وتعزيزها حتى يبقى على شروطه التفاوضية والحصول على مكاسب سياسية تعادل وجوده على الأرض.
فهل سيلتزم حفتر بمخرجات لجنة 5+5، ويحقق اتفاقا دائما لوقف إطلاق النار خاصة بعد ما وصلت فاتورة قواته إلى أكثر من 7000 قتيل على أسوار طرابلس أم أن الدول الداعمة له ستضغط عليه ليستمر في القتال خاصة بعد ما سلمته الإمارات موخرا 3000 طن من الأسحلة والشحنات العسكرية.