انتهى كرنفال برلين بتوصيات وبيان، أعلى ما فيه وقف الحرب وتشكيل لجنة مراقبة ومنع تصدير السلاح، وكعقوبة على انتهاك هذا الحظر: تسمية الدول المنتهكة.
الأنباء الواردة من برلين، تقول إن حفتر لم يخيب توقعات أحد، فالرجل أغلق هاتفه- كحسن ظن، إن لم يكن سُحب منه- ولم يوقع على وثيقة برلين، وغادر دون أن يبلغ المستشارية الألمانية، وهو يذكرنا بالسلوك عينه من عدة أيام قليلة في موسكو.
بالتأكيد وقف إطلاق النار وبدء عودة الحياة التدريجية لمساحات شاسعة من جنوب شرقي وغربي العاصمة طرابلس، مكسبٌ لحكومة الوفاق الوطني سياسيا، وللسكان المحليين إنسانيا.
بغض النظر عن تفاصيل ومآلات العملية السياسية القادمة-إن قُدّر ذلك- فإن السؤال المطروح على أوروبا راعية مؤتمر برلين، هو قدرتها على لجم جماح حفتر وداعميه من المصريين والإماراتيين الذين أفشلوا عدة مسارات سياسية، أهمها اتفاق الصخيرات السياسي وما لحقه من مؤتمرات في باريس وباليرمو وأبوظبي؟
لا يمكن القول إن برلين كمسار سياسي جاء نكاية في لقاء موسكو برعاية شريكي شرق المتوسط روسيا وتركيا، فالجميع يعرف أن مؤتمر برلين شرع المجتمع الدولي في الإعداد له قبل موسكو وإبان تورط إدارة الرئيس بوتين في القتال إلى جانب حفتر – لا معلومات إلى الآن بشأن انسحاب الفاغنر من جنوبي طرابلس- فهذه مسألة يجب عدم الخوض فيها.
على الصعيد الدولي تزامن مساران مؤخرا بشأن أزمة ليبيا، وهما مسار بوتين أردوغان الذي لم يتكشف إلى الآن مدى بلورته لرؤية سياسية شاملة لمجمل الأزمة، خاصة أن أنقرة وموسكو لهما وجهات نظر شبه متعارضة مبدئيا من حفتر والسراج.
دوليًّا أيضا، برلين والمسار الأوروبي الذي انتهى بوثيقة ترسم حدود المسار السياسي والعسكري، لا يوجد ما يدل حاليا على إمكانية وقدرة الإمارات ومصر على الالتزام بهما، وهما دولتان دفعتا بكل ثقلهما خلف الانقلاب العسكري الذي يقوده حفتر.
لا شك أن الأزمة الليبية انتقلت إلى طور آخر مختلف عما سبقه، بسبب توقيع حكومة الوفاق مذكرتي تفاهم أمنية وبحرية مع أنقرة، المذكرة الأخيرة أقلمت ودوّلت الصراع ونقلته إلى مساحات أوسع في شرق المتوسط، مرتبطة بدول لم تكن من قبل على خريطة الصراع، كإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية ومصر التي دخلت هذا الحلف الذي يختلف في بعض الأوجه عن تحالفها مع الإمارات والسعودية.
تركيا من المعتقد أنها ستدفع بكل ثقلها السياسي والعسكري للدفاع عن نفوذها في شرق المتوسط من بوابة طرابلس، وستحاول أن تجر معها المصالح الروسية في تلك المنطقة. إذ إن روسيا قد تنتقل من مربع دعم حفتر إلى مناكفته، بسبب الموقف الأوروبي المناهض والمتخوف منها في شرق المتوسط.
تركيا ستجري موازنات دقيقة بين المصالح الأمريكية والروسية في شرق المتوسط وهي مسألة أكبر من أزمة ليبيا بشكل كبير. ليس من المعروف على وجه الدقة مدى قدرة تركيا على إجراء هذا التوازن المعقد، فأمريكا ترى في تركيا حليفا يمكن أن يخفف من غلواء نهم موسكو، وروسيا ترى في تركيا حليفا في منطقة مليئة بالغاز وخطوط تصديره.
داخليًّا، حفتر يضغط على المناطق الخاضعة له في شرق ليبيا، لصالح مشروعه النَّهِم، فإغلاق مرافئ التصدير سيعرض محطات كهرباء شرق ليبيا لنقص في إمدادات الغاز إلى محطتي شمال بنغازي والزويتينة، وهو ما يعني ارتفاع ساعات طرح الأحمال في بيئة جزء منها جبلي تنخفض فيها درجات الحرارة أحيانا إلى الصفر.
اللافت في خطوة إغلاق النفط، هو أن حفتر لم يتبنّ الخطوة بشكل مباشر، بل بارك إطلاق عنان أفراد من القبائل الموالية له، للظهور وكأن هناك شعبا غاضبا، وكان الأولى لهذا الغضب أن يتجه صوب موت شبابهم على تخوم طرابلس.
المأزق الذي يواجه حفتر في حربه الحالية هو الضغوط الخارجية من مصر والإمارات الرافضة لوقف مشروعه العسكري، والضغط الداخلي من قوى متابينة الأهداف، فلا يمكن مثلا غض الطرف عن تلويح موسى إبراهيم الناطق باسم أحد فصائل النظام السابق بانسحاب قوات النظام السابق من محاور جنوب طرابلس إذا ما رضخ حفتر لأي حل سياسي، وكذلك ترهونة التي قد تجد نفسها في لحظة ما فارقة أمام قوات الوفاق وحدها.
في نهاية هذه الجولة السريعة، يبدو أن أي عملية سياسية مقبلة ستربك معسكر حفتر الداخلي وحلفائه الإقليميين؛ لذا سيضطر إلى خوض غمار الحرب بصرف النظر عمّا ستؤول إليه من نتائج.
بقلم : الكاتب الليبي هشام الشلوي