Menu
in

في يوم الملتقى الجامع، رسالة إلى غسان سلامة: “المتمرد” أجهض الحلم

يصادف اليوم الموعد الذي حددته البعثة الأممية لانعقاد الملتقى الوطني الليبي والذي أفشله المتمرد … وبهذه المناسبة وجهت هذه الرسالة إلى سعادة الدكتور غسان سلامة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة:

سعادة الدكتور غسان سلامة.. المبعوث الخاص للأمين العام

تحية طيبة؛؛؛ وبعد:

كان من المتوقع أن تكون ليبيا اليوم مع موعد مشهود وعرس تصالحي؛ يبشر بغد مشرق وبدولة ديمقراطية مدنية، يسود فيها القانون ويعم فيها العدل والمساواة أو هكذا كان يظن كثير من الناس.

لقد بذلتم جهودا كبيرة طيلة 18 شهر الماضية؛ وصبرتم وأصررتم على المسار التصالحي؛ رغم كل التحديات والمرارات والعراقيل التي واجهتكم ووضعت في طريقكم، فلكم كل الشكر والتقدير على هذا الجهد النبيل والمسعى الوطني.

لقد عشت معظم حياتي وسلخت زهرة شبابي تحت حكم الاستبداد؛ بين لاجيء سياسي في الخارج أو معارض لنظام القذافي في الداخل أو مشارك في إسقاطه أو مقاوم ضد رجوع الاستبداد بعد إسقاط القذافي.

عشت في مدرسة الحرية 16 سنة، وكنت أحلم باليوم الذي أرى فيه بلدي مزدهرا ينعم بالحرية والتنمية والرقي، بعيدا عن الحكم الفردي والحكم العسكري الذي دمر كل بلد حكمها وجعلها تراوح في قاع التخلف والفساد والتبعية.

وإذا كان قدر لجيلنا والأجيال التي قبله أن تعيش تحت حكم الاستبداد والظلم والفساد، فليس ذلك بحتم لازم على الأجيال القادمة، من حق أبنائنا وأحفادنا أن ينعموا بظلال الحرية وبدولة القانون، وأن يعيشوا في ظروف وأوضاع أحسن من ظروفنا وأوضاعنا التي عشنا، ومن أجل ذلك ناضلنا ومازلنا نناضل، ونبذل كل الجهود والمساعي.

أحلم ببلد لأبنائي وأحفادي مثل بلدان العالم المتقدم أو على أقل تقدير بلد يبدأ مساره نحو هذا التقدم، فمن سار على الدرب وصل. أسقطنا الدكتاتور، فاهتزت عروش من حولنا وتوجست الأنظمة الدكتاتورية العريقة في المنطقة من ثورتنا ومن نتائجها، وخشيت أن تنتقل لها عدواها، فكادت لنا، وقامت برعاية وتمويل المؤامرات والدسائس من أجل إجهاض ثورتنا وإرجاع الاستبداد في شكل عسكري آخر؛ تدور البلاد وشعبها وثرواتها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية حول المجد لشخصه ولأبنائه من بعده وكأنها مزرعة يملكونها ويورثونها!

وفي سبيل ذلك أشعلوا الحروب والفتن التي تدمر بلدنا، قتل فيها الكثير من أبناء وطننا الغالي. ما تشاهده منطقتنا من أمواج ما هو إلا دورة من دورات التاريخ، إما أن يغيروا هؤلاء الطغاة من سلوكهم في الحكم أو يتغيروا، أو تصيبهم موجة من موجات هذه الدورة إن أجلاً أو عاجلاً ، ما لم يدركوا قبل الفوات.

بعد جولات من الصراعات المسلحة ظن البعض أن السلاح لا يمكن أن يحسم المعركة، فمال أغلب الناس إلى الحوار والتفاوض والحل السلمي.

وكنا نعتقد أن المجتمع الدولي يريد إدماج هذا المستبد في العملية السياسية من أجل أن يصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع وكادت الطريق، لولا لطف الله، أن تكون ممهدة أمامه، إلا أنه اختار صناديق الموت والذخيرة والاحتكام إلى السلاح.

كان الاعتقاد السائد عندي أن البلد لا يتحمل الانقسام، وأن الأجسام الموازية قد انهكت خزانة الدولة، وأن بلادنا قد أصبحت خطرا على جيرانها، وعبئا ثقيلا على شبابنا الذي ترك مقاعد الدراسة وتبخرت أحلامه وآماله في الحلم الذي بشرت به ثورة 17 من فبراير، وأصبحت خياراتهم محدودة؛ إما جنودا عند الكتائب المسلحة، أو ضحايا الفقر والبطالة، أو يقعوا فريسة للإرهاب أو لعصابات الجريمة والمخدرات.

طرحتم فكرة الملتقى الوطني الليبي في سبتمبر 2017م وعملتم من أجله ونجحتم بشكل كبير في خلق أكبر وأعمق وأشمل حوار شهدته ليبيا في تاريخها، ونتج عن هذه الأفكار حلم جديد لليبيا أو أفكار مهمة صالحة لأن تمثل الأرضية المناسبة لهذا الحلم.

أصبح معظم الليبين، كما ذكرت في مقالي الأخير بعنوان “الغدر !”، خلية نحل .. حوارات وآلاف الساعات من الورش والمؤتمرات واللقاءات في الداخل والخارج. قدمت مبادرات ومقترحات إلى سعادتكم، وكان لكم وللسيدة وليمز مجهودات تذكر فتشكر، ولاح في الأفق بوادر انفراج كبيرة للأزمة التي تعيشها ليبيا لأكثر من 70 سنة.

بعد هذا الجهد توصلتم إلى نتيجة مفادها أن الملتقى لن ينجح إلا بتفاهمات بين فخامة الرئيس فايز مصطفى السراج وحفتر، وبالرغم من المرارة التي شعر بها أغلب الناس تجاه هذا الأخير؛ لأنه شخص لا يوثق ولا يفقه إلا في الانقلابات واشعال الحروب، رغم كل ذلك داس الجميع على عواطفهم وتعاطوا مع فكرة إدماجه في المسار السياسي كمن يتجرع السم.

تحولوا من الرفض التام إلى التعاطي السياسي مع الملتقى، وانتقلوا من التفكير بأنف السلاح إلى تحديد السقوف وضبط النصوص وتقديم التنازلات، لكن حفتر آثر الغدر وعاد إلى صنعته التي لا يحسن غيرها، وهذا ليس عليه بغريب؛ فقد غدر من قبل بالملك وبالقذافي وبفبراير وبالاتفاق السياسي وأخيرا نسف الملتقى ونسف الحلم وما حوى؛ نسف حلم الليبيين في إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات ودمج حاملي السلاح وحصر القوة عند مؤسسات الدولة وبالمجمل الانتقال من الهدم إلى البناء.

سعادة المبعوث الخاص،،

أتفهم مخاطبتكم للأطراف مثنى بدلا من صريح إدانتكم للمعتدي ومطالبتهما بوقف الآلات الحربية وحممها، ولكن لن أتفهم عدم إدانتكم للحرب التي أعلنت على العاصمة الليبية طرابلس وعدم إدانتكم للحمم التي يطلقها حفتر على المدنيين الذين جئتم لحمايتهم، وعدم مطالبته بالرجوع من حيث أتى.

أعلم أنكم بعد رحيلكم -وأرجو أن لا ترحلوا قبل قطف ثمار جهودكم التي أفشلها حتى الآن حفتر- ستحملونه المسؤولية التاريخية، وأرجو أن تقوم من الآن بذلك، وعلى أقل تقدير داخل الغرف المغلقة وفي التصريحات الخاصة.

لا أشك أنكم ستوثقون جرائمه وتدميره للأماكن العامة وقتله للمدنيين وتدمير لأملاكهم الخاصة، وكذلك تدمير حاضر ومستقبل الليبيين وغدره وخيانته للشعب الليبي ولمستقبلكم الدبلوماسي الذي عبث به بعد أن كنتم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نجاحكم. لكن ما يحتاجه الشعب الليبي منكم الآن أن تبحثوا عن شريك بديل لهذا الشخص الذي لم يعد جديرا بالثقة والحمد لله رب العالمين الذي فضحه وزاد من فضحه.

سعادة الدكتور سلامة

كادت أبصار العالم اليوم أن تتجه إلى غدامس ولكن الخيانة والغدر حال بيننا وبين هذا اليوم، وأسأل الله أن لا يطول انتظار الليبيين وأن ينعقد الملتقى بدون هذا الغادر الذي دخل مع جزء كبير من الليبيين في معركة صفرية؛ إما أن يحكمنا أو يقتلنا، إما أن يكسبها كلها أو يخسرها كلها، وسيخسرها بإذن الله لأن المعركة معركة كل الليبين.. معركة الحرية والعدل والديمقراطية .. معركة الحقوق والحريات .. معركة منع رجوع الاستبداد من جديد. وإن غدا لناظره لقريب.

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version