بالحديث عن حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدت في سبتمبر من العام الماضي، وما النجاحات التي حققتها والعراقيل التي واجهت تنفيذها؟ سنجد المتهم في هذه العراقيل هو المصرف المركزي ومحافظه الذي بدوره رمى بكرة الاتهامات إلى مصلحة الأحوال المدنية ومعضلة تزوير الأرقام الوطنية.
لكن بنظرة واقعية ومتجردة إلى الإصلاحات الاقتصادية يمكن القول بأنها لم ترتق إلى المستوى الذي يمكنها من إنعاش الاقتصاد الليبي شبه المنهار؛ فالإصلاح يبدأ بوضع خطط تنموية متوسطة وبعيدة الأجل، بالإضافة إلى تصور استثماري يوازيه العمل على الاكتفاء الذاتي لنصل إلى معالجة مشاكل التشوه الاقتصادي ومعدلات التضخم، وليس مجرد حل لأزمة السيولة ورفع قية الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، فهذه المسائل لا تحتاج إلا لمعالجات بسيطة.
ورغم أن البرنامج المعتمد من الرئاسي والمصرف المركزي لم ينفذ كاملا إلا أنه حقق نجاحا ملحوظا في بداية تنفيذه، إذ لوحظ توفر السيولة بعد معاناة دامت ثلاث سنوات، إضافة إلى تثبيت سعر صرف النقد الأجنبي في السوق الموازي، والقضاء على الفساد الحاصل في الاعتمادات، وتوفير عائد ضريبي ربما يُستثمر في مشاريع تنموية.
هذه النجاحات كما ذكرت آنفا واجهتها عراقيل عدة، كان المسؤول الأول عنها هو المصرف المركزي الذى كان من المفترض أن يكون المحدد للسياسة النقدية في البلاد وألّا يتجاوز ذلك، لكن الوضع المؤسساتي والرقابي الهش في ليبيا جعل المصرف المركزي يتجاوز صلاحياته ويمارس دور وزيري المالية والاقتصاد، وأحيانا رئيس الحكومة، وهو ما أربك المشهد السياسي والاقتصادي، وجعل حزمة الإصلاحات على حافة الخطر.
عرقلة المركزي للإصلاحات بدأت بأهم بنودها وهي منحة أرباب الأسر التي أوقفها بحجة وجود تزوير في منظومة الأرقام الوطنية وصفه محافظ المركزي الصديق الكبير بـ “التزوير العميق”، وبافتراض أن هذا التزوير صحيح، فإن هناك أسئلة تحتاج إلى إجابة من السيد المحافظ: وهي لماذا لم يوقف منحة 500 دولار السابقة؟ ولماذا يستمر في منح الاعتمادات بسعر 3.9 د.ل؟ ولماذا لم يجتمع مع مصلحة الأحوال المدنية عندما طلبت منه ذلك؟
وهذه الأسئلة لم يجب عنها الكبير ولا أظنه يملك الإجابة، وهذا ما يجعلنا نقول إن الكبير يتعمد المماطلة في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي وصرف منحة أرباب الأسر، لأسباب عديدة أبرزها:
– الإصلاحات أوقفت منح الاعتمادات بالسعر الرسمي وهو ما يعني تقلص نفوذ المحافظ.
– منحة أرباب الأسر ستساهم في انخفاض سعر الدولار، وبالتالي سيفقد المحافظ ورقة ضغط للعودة إلى الاعتمادات.
– في الإصلاحات ستفتح الاعتمادات لكافة التجار، وبالتالي فلن يستطيع الكبير ابتزاز رجال الأعمال لنيل رضاه.
أمام هذا الواقع الذي يمر به الاقتصاد الليبي هناك بعض الحلول التي من الممكن أن تسهم في تنفيذ الإصلاحات والضغط على الكبير، وهي في يد المجلس الأعلى للدولة الذي يستطيع الدعوة إلى عقد جلسة لتنصيب محمد الشكري المحافظ المعتمد من البرلمان، كما أن الأحوال المدنية مطالبة بسرعة التأكد من صحة البيانات لمنع حجة التزوير، بالإضافة إلى زيادة ضغط الشارع وتنظيم وقفات أمام المصرف المركزي تطالب بتنفيد الإصلاحات أو الرحيل. إن حدث ذلك فإن محافظ المصرف المركزي سيضطر إلى تنفيذ الإصلاحات ووضع حلول جذرية لمعضلات الاقتصاد الليبي التي من أبرزها معضلة شح السيولة ومعضلة انخفاض سعر الدينار أمام العملات الأجنبية الأخرى.