Menu
in ,

قانون الاستفتاء .. السكين الذي ذبح البرلمان

رغم حرص مجلس النواب منذ بداية عقد جلساته الأولى على خلط الأوراق وعدم قيامه بدوره التشريعي المطلوب والإيفاء باستحقاقاته، إلا أنه مع ذلك يعيش الآن أسوء فتراته حتى أضحى جثة هامدة في فندق دار السلام تستغيث وتنتظر من يكرمها بالدفن.

طبيعة المشهد الليبي المنقسم والمعقد جعلت من مجلس النواب يستحوذ على الصفة التشريعية في البلاد؛ الأمر الذي جعل المجلس مستمرا في عمله ليجد نفسه أمام استحقاق مهم، بل ربما الاستحقاق الأهم في هذه المرحلة، وهو اعتماد قانون الاستفتاء، وكعادته اتبع نفس الأسلوب في المماطلة والمراوغة وتعطيل الجلسات وتعليقها والاستعانة ببلطجية؛ لإعاقة دخول النواب للقاعة وغيرها من الطرق الرخيصة في مشهد متكرر حفظه جل الليبيين وتابعوه بخيبة أمل.

البعثة الأممية كان لها موقف مختلف هذه المرة، ففي بداية طرح ملف اعتماد قانون الاستفتاء تابعت باهتمام كبير كل ما يحدث، وقدمت دعمها الكامل لرئاسة مجلس النواب في استجابة لموقف المجتمع الدولي الداعم لإجراء انتخابات وفق قاعدة دستورية، وتنفس الليبيون الصعداء بعد تصريح غسان سلامة أثناء إحاطته أمام مجلس الأمن حول الملف الليبي بأن مجلس النواب سيكون عند حسن ظن الليبيين، في إشارة إلى مصداقية وعودهم في تمرير قانون الاستفتاء.

إلا أن سلامة تفاجأ بعد أيام باستمرار نفس السيناريو من المماطلة والتعطيل؛ وهذا ما جعله يصرح في إحاطته التالية بأنه استنفد كل السبل السلمية مع مجلس النواب وأنه أصبح مقتنعا بأن وجود مجلس النواب في المشهد؛ هو من أجل مصالح ومكاسب شخصية ولن يقدم أعضاؤه شيئا إلا ما يضمن استمرار بقائهم في السلطة.

توالت تصريحات من هذا القبيل من المبعوث الأممي حتى وصل به الحال إلى القول: “هناك سبل أخرى لتحقيق التغيير السياسي على نحو سلمي وسوف نتبناها بكل حماس وبدون تردد”، هذه النبرة العالية في التصريحات أيقظت النواب من سباتهم، وهرولوا مسرعين لعقد جلسة لا أحد يعرف نصابها، وخرجوا إلى الإعلام وصرحوا بأنهم اتفقوا على تمرير قانون الاستفتاء على أن يتم تحصينه دستوريا، لكن الذي لم يتوقعه النواب هو انعدام الاستجابة داخليا أو خارجيا، واستمرت البعثة على موقفها المتجاهل.

ووسط هذا التجاهل من الداخل ومن الخارج تجاه ما يحدث تحت قبة البرلمان وتصريحات البعثة بخصوص الدعوة لعقد مؤتمر جامع يعتمد على خارطة طريق تكون هي المخرج لليبيا من هذا التشظي والعبث، أحس مجلس النواب ورئيسه بأنهم ربما سيكونون خارج المشهد؛ بسبب تعنتهم وعبثهم وكالعادة تمت دعوة الأعضاء لعقد جلسة لم يتابعها إلا من حضرها وفي آخر النهار خرج الناطق الرسمي لمجلس النواب ليقول بأنهم اعتمدوا قانون الاستفتاء وقاموا بتحصينه ويزف هذه البشرى لليبيين؛ ليتلقى المجلس صدمة أخرى، حيث لم يتلفت المجتمع الدولي لما قام به مجلس النواب، ولا إلى تصريحات ناطقه ولا كلام رئيسه.

للأسف مماطلة مجلس النواب وتعنت رئاسته هو من وضعه فى هذه الزاوية والتوقعات تشير إلى أنه سيكون خارج المشهد لأسباب أبرزها:

-عدم تفاعل المجلس مع القضايا الواضحة وتقاعسه عن القيام بواجباته.

-تعنت المجلس وإصراره على عدم الاعتراف بالاتفاق السياسي وتضمينه دستوريا.

-التعاطي السلبي مع البعثة الأممية ورفض كل التوصيات المقدمة منها والذي انعكس فى قلة الاهتمام الدولي بشؤون مجلس النواب وعدم التفاعل مع ما صدر عنه مؤخرا.

-الحرص على تحصيل أكبر قدر من المنافع والمصالح الشخصية للاستمرار فى المشهد.

-رفض مبدأ المشاركة مع المجلس الأعلى للدولة والتفرد بالقرار.

كل هذا وأكثر يقودنا إلى مسار واضح واحتمال انتهاء دور مجلس النواب سياسيا، وانخفاض تأثيره داخليا وخارجيا، ولعل مناوراته الأخيرة بخصوص اعتماد قانون الاستفتاء هي من أحرجته أمام مؤيديه ومن كان يراهن عليه، وربما يصبح قانون الاستفتاء هو السكين الذي يذبح مجلس النواب به نفسه.

الكاتب/ محمد غميم

شبكة الرائد الإعلامية

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version