Menu
in

حسابات المجبري السياسية وتأثير انسحابه

قد لا يعرف الكثيرون ممن يتابعون المشهد الليبي شخصية نائب رئيس حكومة الوفاق فتحي المجبري، الذي كان مرشحا بامتياز لمجلس النواب، وليس للجنرال حفتر، عند توقيع اتفاق الصخيرات السياسي في كانون الأول ديسمبر عام 2015.

وظهر المجبري كشخصية معاندة لحفتر في شهوره الأولى عندما أصبح نائبا بالمجلس الرئاسي، فهو الذي استقطب وزير الدفاع الحالي المهدي البرغثي وجلبه لتيار الوفاق، في الوقت الذي كان فيه البرغثي في بنغازي قد أصبح عدوا ظاهرا لتيار الكرامة الذي يقوده حفتر منذ أيار/ مايو عام 2014.

المجبري دعم عام 2013 وما بعدها آمر حرس المنشآت بالمنطقة الوسطى إبراهيم الجضران، الذي فوت إغلاقه لحقول وموانئ الهلال النفطي في شرق ليبيا، أكثر من مئة مليار دولار على الدولة الليبية، بدعوى بانت فيما بعد سذاجتها، وهي أن الحكومة الليبية تبيع النفط بدون عدادات.

طوال عام 2016 وجزء ليس باليسير من عام 2017 دعم وزير التعليم السابق في حكومة عبد الله الثني، والنائب المنسحب حاليا من حكومة الوفاق فتحي المجبري كل المنشقين عن حفتر والباحثين عن كنف للحماية في طرابلس، فعلى سبيل المثال، دعم المجبري تعيين فرج اقعيم وكيلا لوزارة داخلية حكومة الوفاق في بنغازي، ليتخلى عنه كما تخلى سابقا عن البرغثي، عندما اعتقلت قوات حفتر اقعيم وأودعته في سجن بمدينة المرج شرق بنغازي.

كانت آخر أدوار بيع المجبري النابعة من مزاج صحرواي متقلب، هو انقلابه على حليفه السابق إبراهيم الجضران، عندما سيطر الأخير على موانئ الهلال النفطي في حزيران يونيو الماضي، وذلك بعد أن عادت تلك الموانئ إلى قوات حفتر، أصدر المجبري من العاصمة طرابلس بيانا في الأول من تموز يوليو الجاري، وصف فيه قرار حفتر بتسليم موانئ النفط إلى المؤسسة الوطنية للنفط الموازية في بنغازي، بالصائب، وبأنه يُسهل تنفيذ قرار سابق صدر في 2013 بعودة المؤسسة إلى بنغازي.

لم يكتفِ بذلك المجبري بل برر موقفه بأنه ينطلق من أن قرار حفتر جاء على خلفية فشل محافظ المصرف المركزي بطرابلس الصديق الكبير في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، وضمان عدم وصول الأموال للإرهابيين.

وبهذا البيان تحديدا وقع المجبري في فخ لم يكن يتوقعه، إذ إن مليشيات طرابلس لم يكن لتسمح بتغيير قواعد تمويلها، المتمثلة في بقاء النفط وعائداته وإيراداته تحت سيطرة مؤسسة نفط طرابلس، وعدم المغامرة بتغيير محافظ البنك المركزي الليبي الصديق الكبير الذي تدور حوله أقاويل كثيرة تفيد بدعمه لتلك المليشيات ومنحها تسهيلات تقدر بملايين الدولارات التي تباع في السوق الموازي لتجلب مليارات الدينارات.

أدت رعونة المجبري وعدم دقة حساباته ووعيه بعش الدبابير الذي يطنطن من حوله، إلى هجوم مجموعة مسلحة يشتبه في قيام كتيبة ثوار طرابلس بتنفيذه، وهي التي يقودها ائتلاف مصالح عسكري مسلح يهيمن على تركة واسعة من عصب الاقتصاد ودوائر المال الحكومية.

يظن المجبري أنه بقرار انسحابه، غير القابل للترجمة القانونية بأي شكل من الأشكال، سيسقط حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج، في الوقت الذي لم تؤثر فيها قرار استقالة عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني في كانون الثاني يناير عام 2017، وكذلك عدم تأثير تعليق وزير الدولة عمر الأسود عضويته، أو بهلوانية نائب المجلس الرئاسي علي القطراني الذي لم يحضر إلى طرابلس منذ دخول المجلس الرئاسي إليها في نهاية مارس آذار عام 2016، كما يظن المجبري أن الرهان على حفتر وداعميه الإقليميين كمصر والإمارات أدق وأصوب من الرهان على حكومة بتسعة رؤوس.

هناك من يعتقد أن إقدام المجبري على إعلان انسحابه، نبه المجتمع المحلي داخليا، وكذلك أرسل إشارة حمراء تبين مدى خطر وتغلغل مليشيات طرابلس التي تتصارع فيما بينها على النفوذ ونهب المال العام، في الوقت الذي وصلت فيه مستوى الخدمات إلى ما دون الصفر.

يرى هؤلاء المعتقدون أن خطوة المجبري كانت بتنسيق مع قوى دولية وبإيعاز منها لبدء فتح ملف مليشيات طرابلس، التي أقصت الزنتان في عملية فجر ليبيا، ومصراتة في عمليات عسكرية سريعة بسبب موقف بعض فصائل مليشيات مصراتة الرافضة وقتها الانضمام لمعادلة الصخيرات.

صحيح أن خطوة المجبري لن تكون ذات تأثير على مستقبل حكومة الوفاق، إلا أنها ترسم مؤشرا ينذر بخطر محدق بطرابلس وما بها من مؤسسات مالية واقتصادية، ألا وهو قادة المليشيات التي تمتص كل شاردة مالية وواردة بدون رحمة أو هوادة.

بالتأكيد لن يستفيد حفتر من انسحاب المجبري سياسيا، إذ إن حفتر لديه عجز ذاتي عن استغلال الفرص السياسية، فهو سليل التوتر العالي وأصيل الاشتباكات المسلحة، في الوقت الذي تظهر فيه ضحالته وضعفه في الحروب الباردة، والعمل السياسي.

ما يجمع السراج والمجبري، هو نظرهما الدائم وغير المنقطع إلى محيطهما الاجتماعي، فالأول يخشى اتخاذ قرارات حازمة تعود بالسوء على آل السراج في طرابلس، والثاني دائما يضع في اعتباره ألا مناص من العودة إلى بنغازي، ولذا لابد من محاباة حفتر الذي استقر المجبري أخيرا على دعمه.

أحمد يونس / أكاديمي ليبي

المصدر: ليبيا الخبر

أُترك رد

Exit mobile version