الإسلام السياسي .. شماعة مصر والإمارات لعسكرة الحكم في ليبيا
إعلان باريس لم يوافق هوى مصر في الوصول بحليفها حفتر إلى الحكم
السراج يبالغ في خفض الجناح لحفتر على الرغم من الصدود والرفض الذي قوبل به
لم يعد خافيا على أحد في دول الربيع العربي، والساحة السياسية الليبية أن مشروع مصر، والإمارات هو إجهاض أي مشروع ديموقراطي في المنطقة، ويجسد حفتر مثالا لدعم هذه الدول؛ لإقامة نظام عسكري في ليبيا.
وعلى الرغم من وضوح هذا المخطط، وإنكشاف الحيلة المستخدمة لتمريره وهي الزعم أنهم يستهدفون “الإسلام السياسي” فقط وذلك لغرض تحييد كل التيارات والأصوات الأخرى مؤقتا، ثم سحقهم جميعا لاحقا، مثل ما حدث في مصر ويحدث في الجزء الذي سيطر عليه العسكر في ليبيا، وهو سيناريو مكرر ومكشوف؛ إلا أن هذه التيارت الأخرى تقف موقف المتفرج بل المساند، وهي بذلك تُمارس بلاهة غريبة، ربما أعماها عن ذلك نشوة التخلص من الخصم، مع أنهم يدركون أن الأفراد، والتيارات المتشددة ليست هي المعبرة على مشروع “الاسلام السياسي” لا في ليبيا، ولا غيرها، فمثلا في ليبيا العدالة والبناء على خلاف كبير مع باقي الإسلاميين خاصة باتجاه الوفاق، ومدنية الدولة، ومع ذلك بدلا من ترحيب هذه الأطراف، والشخصيات التي تدعي المدنية بهذه المواقف، وتشجيعها والتعاون من أجل إنجاح المسار السياسي الديموقراطي، والنهوض بالوطن، ومحاصرة التشدد، نجدها تصر على وضع الجميع في سلة واحدة تحت اسم “الإسلام السياسي” وإلصاق كل التهم به؛ لتمهد الطريق للاستبداد، والعسكرة
كمثال على ذلك تسعى مصر والإمارات خلال هذه الفترة إلى العمل على تقارب سياسي بين وحفتر والسراج باستخدام الكتائب المسلحة الموجودة في طرابلس، وذلك لأحداث اختراق يسمح لحفتر بالتمركز في العاصمة حسب ما أظهرته تقارير إعلامية مصرية.
فهل يبتلع السراج الطعم طمعا في قبول حفتر أن يدخل تحت سلطته المدنية، ويتربع السراج كما يحلم على ليبيا موحدة، وإن فعل –قطعا- فلن تزيد مدة بقائه ثلاثة أشهر؛ ليجد نفسه خارج المشهد، وعندها سيدرك أنه عراب فقط، أم أن السراج يعلم مصيره إن فعل؟ وهو فقط يناور، ويعلم أن الكرسي لا يتسع له، ولحفتر وهذه هي الحقيقة.
ولن يكون وضع المجموعات المسلحة في العاصمة بأقل سوء في هذه الحالة؛ لأنها محسوبة على فبراير، والكثير يتربص بها.
أمر عسير
الكاتب والصحفي علي أبوزيد يرى أن الإعلان السياسي عقب لقاء باريس لم يكن مرضيًا لمصر، ولا يوافق هواها في الوصول برجلها في ليبيا، خليفة حفتر، إلى السلطة، وحاولت أن تضخم حسمها العسكري في درنة، وتصوره على أنه “نصر مبين”، وفق قوله.
واعتبر أبوزيد، في تصريح للرائد، أن محاولة مصر للدفع بتقارب بين السراج و حفتر “أمر عسير جدا”؛ لاعتبارات كثيرة، أهمها أن المدخل إلى ذلك هو لقاءات القاهرة بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية، وهذه لا يتولاها السراج بشكل مباشر، كما أن السراج يستمد شرعيته من اتفاق الصخيرات الذي لا يعترف به حفتر.
وأكد أبوزيد أن السراج يطالب بتوحيد الحكومة، وإنهاء الأخرى الموازية في الشرق، وهو ما يرفضه حفتر، ومصر “رفضًا قاطعًا”، لذلك فإن الأمر ما يزال بعيدًا، مبينًا أن السراج قادر على القيام بدور إقناع المجتمع الدولي بضرورة دفع حفتر للقبول بالمسار السياسي.
السراج ضد العسكرة
من جهة أخرى، أوضح المحلل السياسي محمد الهنقاري، أن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج من خلال مواقفه أثبت أنه ضد عسكرة الدولة، ولكنه لم يجد ظهيرًا مساندًا له، وفق تعبيره.
وبيّن الهنقاري، للرائد، أن الجولات الخارجية السابقة للسراج كانت من أجل إقناع الدول المهتمة بالملف الليبي، والأمم المتحدة، بضرورة السعي لإتمام الملف الديمقراطي في ليبيا، مشيرًا إلى أن السراج طالب خلال هذه الجولات بالضغط على قائد عملية الكرامة خليفة حفتر، للقبول بالانتخابات بوصفها حلا للأزمة الليبية، حسب الهنقاري.
وأضاف الهنقاري “إن حفتر مؤمن ومقتنع بأن الحسم العسكرى هو الحل الأمثل للمشكلة الليبية، على عكس السراج الذى نجح في ممارسة ضغوط دولية على حفتر للقبول بالمسار الديمقراطي”.
مبالغة في “خفض الجناح”
في المقابل، قال المحلل السياسي السنوسي إسماعيل من الواضح من السلوك السياسي للسراج أنه لازال يسعى إلى قبول خليفة حفتر وتيار الكرامة بالانضواء تحت سلطته، ولذلك السراج يبالغ في خفض الجناح لهم على الرغم من كل الصدود والرفض الذي قوبل به من عقيلة وحفتر ومن يدور في فلكهم.
ورأى إسماعيل، في تصريح للرائد، عدم صوابية استراتيجية السراج؛ لأن الواقع أثبت أنه يسعى لشيء لا يمكن أن تحقيقه، فلن يرضى حفتر أن يكون تحت سلطته المدنية، وكان الأولى للسراج وهو يحضى بالاعتراف الدولي وبدعم أكبر قوى سياسية وعسكرية في الغرب أن يعمل على تعزيز نفوذه وبناء أسس الدولة، وتحقيق قدر من الأمن والاستقرار في الغرب والوسط والجنوب الذي يعتبر أكبر المتضررين من الانقسام السياسيي، حسب وصفه.
وأضاف إسماعيل أن تأخر السراج في تكليف آمر للمنطقة العسكرية الجنوبية حتى الآن دون وجود أسباب مقنعة، ولو أن السراج بسط نفوذه جنوب البلاد وغربها ووسطها، فعند ذلك سوف يلحق به الشرق، ويكون مقنعا لكل الأطراف الدولية والداخلية، ولكنه “للأسف لم يحقق شيئا”، ولعدم وجود مشروع بديل عنه في القريب فإن الفرصة لا تزال سانحة أمام السراج، وإذا استمر في نهج الانتظار، وخفض الجناح دون أي فعالية؛ فإنه حتما سيخسر مؤيديه.
إثبات السعي المصري
السعي المصري لفرض حكم العسكر في ليبيا أثبته عضو حزب تحالف القوى الوطنية إبراهيم قرادة، الذي قال إنه إذا بقيت الأوضاع على حالها في ليبيا، ولم يحدث تغير مفاجئ ومؤثر سياسي، أو ميداني، محلي، أو دولي، على الأرض، فسير الأحداث يشير إلى أن “الجيش” بقيادة حفتر يسير نحو هدفه النهائي بتوحيد ليبيا، وإقامة حكومة واحدة.
وأشار قرادة، على حسابه بفيسبوك، إلى أن بعض من وصفهم بالفاعلين في المنطقة الغربية والشرقية يستعدون ويجهزون للتواصل مع قوات الكرامة من أجل “الالتحام بها حتى وإن لم يعلنوا أو أعلنوا العكس”، وفق قوله.
وفي مقابل سعي مصر إلى عسكرة الدولة الليبية، باستخدام المجموعات المسلحة، ثم الالتفاف عليها وضربها لاحقا مع من يرفض عسكرة الدولة، يأتي دعم المجتمع الدولي لمشروع الوفاق، وإجراء الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية فيها، إضافة إلى رفض بعض المدن والقوى العسكرية في غرب البلاد لعسكرة ليبيا، وعودة الانقلابات.