Menu
in

الفرصة السانحة… دور حفتر من جرة القلم إلى جرة القدر

عندما جاء المالقي برناردينو ليون وبدأ في التواصل مع أطراف النزاع الليبي كانت له زيارة للمفتي الدكتور الصادق الغرياني، كي يشرح له دوره وخطة عمله، فما كان من الدكتور الصادق إلا أن قال له ليس هناك في طبرق من يمكننا أن نحاوره، فتعجب ليون وطرح سؤاله ألا يوجد رجل واحد في طبرق يمكنك أن تحاوره فرد المفتي لا يوجد، فأدرك ليون أن موقف المفتي السلبي لا يعزز الاستقرار، فانطلق دون أن يتوقف عنده كثيرا، فشن المفتي وتياره عليه حربا شعواء، وصاروا يروجون لحوار عقيلة صالح وبوسهمين على الرغم من كون عقيلة صالح من طبرق على خلاف عقيدة المفتي.

ثم عندما استمع ليون لكلام حفتر ومن يمثلونه خرج بنفس القناعة التي خرج بها من لقائه مع دار الإفتاء، وهي أنه لا مواقف ورغبات المفتي ولا مواقف ورغبات خليفة ستخدم الاستقرار في البلد بأي حال من الأحوال، ولن تصمد احتجاجات الأول بالكلام عن الحق والباطل ومعركة الكفر والإيمان، ولا احتجاجات الثاني بمحاربة الإرهاب، أمام رغبة الليبيين في الخروج من مأزق الاحتراب والنزاع المسلح والفناء في ساحاته، فقرر أن لا يمنحهما فرصة أكثر مما منحهما للالتحاق بركب الحوار والمشاركة فيه؛ لأنهما لم يكن يهمهما شيء أكثر من الحيلولة دون التوصل لصيغة اتفاق سياسي لا يخدم مصالحهما، فجاءت جرة القلم لتنهي كل ذلك، فلم يكن مستغربا أن تأتي ردود فعل المفتي وتياره هي نفسها ردود فعل خليفة وتياره.

وعندما جاءت المادة الثامنة لتضع حدا لعرقلة حفتر للتوصل لاتفاق سياسي، وقالها مخزوم في مقولة المشهورة ” بجرة قلم خليفة” لم يستسغها الكثير من المتابعين بل لم يفهموا فحوى دلالة كلمة المخزوم تلك، بل ربما ما تزال تستعصي عليهم حتى اللحظة الراهنة من خلال ما تنضح به التعليقات في غير المناسب من الأحداث عن عدم قدرتهم على استيعاب فحوى تلك الكلمة.

بدون شك وبكل الصراحة والوضوح لقد كان لكل من المفتي وخليفة دور سلبي في هدم الاتفاق السياسي، وعززت مواقف الرجلين استمرار حالة الاحتراب الأول بالفتاوى المحرضة للشباب على الاستمرار في الاحتراب، والتشكيك في كل دعوة للتهدئة، سواء في ورشفانة أو بنغازي، والثاني بالدبابة وتحالف مليشياته كما عبرت مؤسسة أميركن انتربرايس(American Enterprise) في وصفها  لخليط القوات المناصرة لحفتر، فورطوا الشباب من الطرفين في صراع مفتوح لا بوصلة له سوى شدائد فتوى الأول، وأحلام الرئاسة عند الثاني.

ولم يلتفت خليفة كثيرا لجرة القلم، على الرغم من تأطيرها لدوره واشتراطها لتبعيته للقيادة السياسية، جاءت على إثرها جرة القدر لتحد من قدرته على المزيد من العرقلة للحل السياسي في ليبيا، سواء بالاختفاء الكامل أو الجزئي من على ركح المشهد السياسي والأمني الليبي، وهذا ما ينبغى التنبه له، وبعيدا عن التنابز والتشفي، إذ الموت أو العجر قانون يسرى على ابن آدم، برهم وفاجرهم على حد سواء، إلا أن جرة القدر توفر اليوم فرصة سانحة لليبيين بإزالتها لعقدة المنشار، ولم يعد هناك من داعٍ لأي جدل حول مواد الاتفاق السياسي، وإنهاء الجدل حول تبعية القيادة العسكرية للقيادة السياسية في البلد أسوة بكل بلاد الدنيا دون استثناء إلا في الدكتاتوريات العسكرية الشمولية ـ لا أعادها الله علينا  مجددا! ـ بعد أن عضتنا بناب بغيض على مدار عقود أربعة ونيف، هذا إن كان هناك عقول تقدر حساسية الموقف، وتدرك مدى خطورة محاولة الأطراف الإقليمية تسعير الحرب بين الفرقاء الليبيين، وكيف تخدم إطالة أمد الأزمة الليبية مصالحها بشكل أو بآخر، وتساعدها على تصدير أزماتها الداخلية إلى مشروع التدخل المباشر بحجة محاربة الإرهاب، فلابد أن يكون مقررا في أذهاننا جميعا أن الأفراد لا اعتبار لهم عندما يكون الكلام عن استقرار وأمن البلد، وأنه بات من الضروري تجاوز المفتي وتشدده والجنرال وأحلامه، وأن يغلّب الصالح العام، ويذهب الليبيون إلى حكم واحد فقط ألا وهو صندوق الانتخاب، بعد إقرار الدستور الدائم، وتعديله إن ثبت قصوره سنة 2024 إذا تمكنا من إجراء أول انتخابات سنة 2019.

“احبال سوّ طاحن في بير”

أما ما جرى اليوم فهن “احبال سوّ طاحن في بير” مع الاحتفاظ بحق التقاضي لكل متضرر ضررا مباشرا من تصرفات الأفراد مهما كان موقعهم السياسي أو الأمني أو الديني، سواء في مرحلة إسقاط نظام الفرد المستبد في فبراير 2011 أم فيما شجر بعد ذلك بين فبراير – فبراير سواء في فجر ليبيا أم الكرامة، فالتحاكم إلى القانون هو أساس بناء الدولة، ومظهر التزام الأفراد والمؤسسات بمفهوم دولة القانون أو دولة سيادة القانون.

وهناك يمكننا الكلام عن حل فوز الجميع ( WIN-WIN SITUATION )، فلا فوز ولا خسارة، وتجاوز تغريدات حسابات الجيوش الإلكترونية التي صنعتها أجهزة استخبارات إقليمية بأسماء مستعارة محلية ليبية وأسماء مثقفين مستأجرين أحيانا؛ لمحاولة إيهام المتابع لها أنه وسط رأي عام ليبي، وما هو بالرأي العام الليبي الحقيقي.

وبذلك مهما فات الليبيين من الإفادة من جرة القلم لا ينبغي لهم أن تفوتهم ما تتيحه لهم جرة القدر، فلا يرفعوا بها رأسا ويتساووا مع من لا تنفعه تجارب الأيام والسنين، ولا تزيده إلا ترديًا وانحطاطا اجتماعيا ودينيا وسياسيا يرشحه دائما للبقاء ذيلا للدول الإقليمية وتضارب مصالحها، ولات حين مناص.

المصدر : ليبيا الخبر

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version