Menu
in

“أرضُ الشهداء”

أرضُ الشهداء والأرامل واليتامى، أرض الجرحى والمكلومين، أرض المهاجرين والمهجّرين، أرض الأسرى والمعتقلين.. هذه هي ليبيا اليوم.

مَن سقط من سبتمبر فهو شهيد، عند قوم ومجرمٌ قاتلٌ عند آخرين، ومَن سقط من فبراير فهو شهيد، لكنه عند أهل سبتمبر عميل. من سقط من شباب فجر ليبيا فهو شهيد، ومن سقط من الكرامة فهو شهيد، لكنه ليس كذلك عند مَن يقف في الضد.

هناك أيضا شهيد الواجب، وشهيد الوطن، لكنه بالتأكيد ليس شهيدًا عند من لا يرى ذلك. سمعت كلامًا نفيساً للشيخ حازم أبو اسماعيل، فرج الله كربه، قال فيه؛ نعم حتى المسيحي شهيد في شريعته، وهو والمسلم شهداء الوطن سواء بسواء.

غرفة أخبار قناة الرائد الفضائية دخلت في مناقشات طويلة حول تسمية شهداء البنيان المرصوص، هل يطلق عليهم شهداء أم قتلى قضَوا في هذه المعركة أو تلك، واستقر الرأي على الثانية إسوةً بمن قُتل وهو يحارب الإرهاب، من باب الحياد في تقاريرها الإخبارية، ومع ذلك لم تنجُ الرائد من وابل التجني والتشفي والتعدي.

ماذا قال صوان؟
رئيس حزب سياسي، يبحث عن حل لبلده، مد يدًا لمن كانوا يعتبرونه خصماً وذكر كلاما مقيداً، لكن ناقدوه عرفوا بعضه وأعرضوا عن بعض.

ماذا قال؟.. قال إن الناس ملَّت الحروبَ والصراعات وتطلَّعت إلى الأمن والاستقرار والمصالحة، وقال إن حفتر أعلن انقلابه على الإعلان الدستوري، وإن عملية الكرامة أدت إلى كارثة كبيرة ودمار هائل وحصدت عددًا كبيرًا من أرواح الليبيين بل تجاوزت هدفها المعلن في محاربة الإرهاب إلى تصفية الخصوم السياسيين وظلمت الأبرياء وارتكبت أبشع الجرائم من قتل وحرق وتنكيل وسجن كما يرى صوان.

قال كلَّ ذلك وزاد أن عملية الكرامة اُستخدمت كمشروع للوصول إلى الحكم، ثم قال نحتسب، من قدموا أرواحهم بصدق نية مُحاربة الإرهاب، من الشهداء. ثم طالب الصادقين والعقلاء بتدارك ما وقع من ظلم وتضميد الجراح ولم الشمل المهجرين ومواساة المظلومين.

العبرة بالنوايا
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم)) قالت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قالت: ((يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم))، أي أن فيهم أناس ليسوا منهم تبعوهم من غير أن يعلموا بخطَّتهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم)) كلٌ له ما نوى. كقوله عليه الصلاة والسلام -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).

في نهاية المطاف لا يعلم من هو الشهيد إلا الله؛ نحن نقول إن من مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات دون ماله أو عرضه فهو شهيد، ومن مات يقاتل المحتل فهو شهيد، ومن مات يقاتل الإرهاب فهو شهيد، ولكن القول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم محددا النوايا: “مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله”، وقال: “والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دماً اللون لون الدم، والريح ريح المسك”

لغة الخصومة إلى متى؟
الخصومة لا تدوم ولغة الحرب يجب أن تنتهي، ولغة الصلح يجب أن تسود، والواقع المؤلم الذي لم يُبقِ ظهرا ولم يقطع أرضا يجب أن نلقيه وراءنا ظهرياً.

حدثني من أثق في نقله أن الشهيد أحمد أبوحجر كان صاحب فكر منفتح، كان يبحث عن لغة أخرى غير لغة الرصاص، أقام أول عملية هدنة مع قوات الكرامة، وكان رحمه الله وعدد كبير من الثوار أصحاب مشروع واضح للتمايز، كانوا على مشارف إعلان موقف من الإرهاب ومن القاعدة وداعش، ورفع راية الاستقلال، والبحث عن طريق ثالث، ولكن الشهادة كانت أسرع.

لابد أن نحدد ماذا نريد؟ إذا أردنا ليبيا واحدة وأردنا أن نعيش سويا في هذا الوطن، لابد من ابتداع لغة سياسية جديدة تعترف بالواقع، تبحث عن آماله وتعالج ألآمه.

لقد كان صوان سياسياً..
حينما قال في نوفمبر 2014م ” (علينا).. إعادة توجيه بوصلة الجميع للحديث والبحث عن حل سياسي ينهي القتال ويوقف نزيف الدم بين الليبيين ..”، وكان سياسياً عندما أطلق مصطلح “الإطفاء التدريجي للحرب” في بداية 2015م، وكان سياسيا عندما دخل واستجاب لكل دعوات وجولات الحوار، كان سياسيا عندما دعم الصخيرات ورجع بالشرعية إلى العاصمة، عاصمة كل الليبيين.

كان سياسيا اليوم أيضاً، إذ مد يده إلى الصادقين والعقلاء وطالبهم بجبر ما وقع من ظلم وتضميد الجراح ولم شمل المهجرين ومواساة المظلومين.

لكن.. السياسة أعيت من يداويها.

عبد الرزاق العرادي

أُترك رد

كُتب بواسطة raed_admin

Exit mobile version