in

الإسلاميون بين الثورية والإصلاح

يختلف التعاطي السياسي مع تطور أحداثه من تيار لآخر ومن بيئة لأخرى، ومرجع ذلك لطول التجربة ورصيد الخبرة السياسية المتراكمة، وقد كان تعاطي تيارات الإسلام السياسي الصاعد بعد ثورات الربيع العربي – مختلفاً باختلاف التجربة والبيئة.

إن دخول أغلب التيارات الإسلامية إلى المعترك السياسي من بوابة الثورة خلق في معظمها حالة يمكن وصفها بـ”متلازمة الثورة”، حيث إن أغلب هذه التيارات لم تكن لها الخبرة والتجربة السياسية التي تمنحها الخطاب والنهج السياسي الواضح، مما جعلها تتبنى الخطاب والنهج الثوري التصعيدي الذي يؤدي إلى حالة من الهيجان والتخبط المتنافي مع متطلبات البيئة السياسية المستقرة، كما أن تصدرها للمشهد السياسي في مرحلة ما بعد الثورة لم يمنحها الوقت لمراجعة وتقييم نهجها وخطابها، مما كرّس لهذه الحالة الثورية التي أدّت إلى التصلب في المواقف وإلى غياب المرونة المطلوبة في الممارسة السياسية، مما جعلها عاجزة عن التعامل مع الموجات الارتدادية للربيع العربي، بل جرفتها هذه الموجات عن مركز التأثير وأدت في بعض الأحيان إلى إخراجها من المشهد تماماً.

ولا يمكن هنا إغفال الدور الذي لعبته التيارات الأخرى في تقويض التيارات الإسلامية، حيث أحسنت استغلال السلوك الثوري لأغلب هذه التيارات في الدعاية ضدها وتنفير الناس منها، إضافة إلى تحالفها مع الحرس القديم لأنظمة الاستبداد واستنجادها بأحذية العسكر كما هو الحال في مصر وشرق ليبيا.

إلا أنّ هذا الأمر ليس على عمومه، فهناك بعض التيارات الإسلامية استطاعت بفضل الخبرة في العمل السياسي والمعرفة الجيدة بالبيئة والمناخ المجتمعي الحاضن للعملية السياسية – استطاعت أن تتفادى بمرونة عالية تلك الموجات الارتدادية وبأقل الخسائر، كما أنّ سياسة الانفتاح على مختلف التيارات السياسية، والمقدرة الكبيرة على التعامل بسلاسة مع الأزمات السياسية من خلال الإطار الحزبي، جعلها تملك مقعداً دائماً وثابتاً على المائدة السياسية، والكلام هنا عن حركة النهضة التونسية.

وأما إذا أردنا الحديث عن تيارات الإسلام السياسي في ليبيا اليوم فإن أغلبها أنهكها النهج والخطاب الثوري الذي تتبناه، مما جعلها في عزلة وغير مؤثرة؛ لإصرارها على عدم الانخراط في العملية السياسية التي يفرضها واقع الحال اليوم، والسبب في هذا إضافة إلى قلة الخبرة وضبابية الرؤية السياسية، يرجع إلى عدم القدرة على إدراك الممكن السياسي في ظل المعطيات الواقعية، ويرجع أيضاً إلى أن بعض هذه التيارات مرجعيتها الفكرية من خارجها وهي مرجعية غير ناضجة سياسيا مما سبب لها حالة من الشلل والارتباك، كما أن كثيراً من البارزين في التيار الإسلامي لا يؤمنون بالعمل في الإطار المؤسسي كالأحزاب والائتلافات مما جعلهم يهاجمون تيارات الإسلام السياسي التي تنخرط في العملية السياسية لتحافظ على بقاء هذا التيار في المعترك السياسي، وتعطي المشهد شيئاً من التوازن والتعددية.

كذلك فإن هذا الإصرار على استدامة الحالة الثورية والتشنيع على قوى الإسلام السياسي المنخرطة في العملية القائمة اليوم أدى إلى حالة من الاستقطاب والاحتقان داخل التيار الإسلامي نفسه، وهذا الأمر أتاح فرصة للتيار المستقوي بالعسكر ليُمعِن في الممارسة السياسية المتصابية بسبب غياب الضغط من تيار إسلامي قوي له حضوره وتأثيره.

إن تيار الإسلام السياسي في ليبيا ما لم يدرك بكليته أهمية الانخراط في العملية السياسية ضمن تكتل وائتلاف يتمتع بالمرونة والانفتاح ليبدأ في عملية إصلاح من الداخل، سيبقى في حالة التقوقع والانعزال التي قد تؤدي إلى تلاشيه وغيابه من المشهد، خاصة إذا نجح المشروع العسكري المسيطر في الشرق الليبي.

10 أعشاب لعلاج ارتفاع ضغط الدم

موغريني تطالب بإنقاذ المهاجرين غير القانونيين في ليبيا