عندما قرر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ورئيس مجلس الدولة خالد المشري فرض رسوم علي الدولار؛ نظرا لرفض المحافظ الصديق الكبير تخفيض قيمة الدينار، ورفع سعر الصرف؛ بحجة أن ذلك يحتاج لإجتماع مجلس الإدارة؛ وافق الصديق الكبير، واشترط إيداع إيرادات الرسوم في حساب خاص تحت سيطرة المحافظ، وليس تحت سيطرة المجلس الرئاسي، واشترط استخدام تلك الإيرادات في إطفاء الدين العام، وبذلك منعت حكومة الوفاق من إيراد كان يمكن أن يحل كثير من المختنقات.
الآن بعد حدوث تغيرات وأحداث كثيرة وتقلبات؛ خرج من يمكنه تحدي الكبير والحد من سلطاته المطلقة بعد فشل كل من مجلس النواب ومجلس الدولة و المجلس الرئاسي في الحد من تفرد الكبير وتحكمه في السياستين المالية والنقدية، إنه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله الذي هيأت له الظروف الدولية بعد حل مشكلة غلق موانئ وحقول النفط أن يتحكم في توجيه الإيرادات إلى حساب ليس تحت سلطة مصرف ليبيا المركزي، ثم أعلن صنع الله أنه لن يحول إيرادات النفط لمصرف ليبيا المركزي حتى تتوفر شروط الشفافية والعدالة، وأن يثبت المحافظ الصديق الكبير أين ذهبت الاعتمادات التي منحها لجهات محددة، ولم يستفد منها الشعب الليبي كما ذكر صنع الله.
الشاهد في كل هذه القصة هي أن الكبير منع إيرادات رسوم الاعتمادات عن السراج، وحول حكومة الوفاق إلى حكومة مفلسة عاجزة، والآن صنع الله يمنع الكبير من التحكم في إيرادات النفط ويضغط مع جميع الجهات التشريعية والتتفيذية لإقالة الكبير وتغيير مجلس الإدارة بالكامل؛ حينما تيقن مجلس الإدارة بشقيه الكبير والحبري أن السيل قد بلغ الزبى، وطفح الكيل والميزان، وأن المصرفين الأصلي والموازي قد زلزلت الأرض زلزالها من تحتهما التأم المصرفان، والتقى الجمعان وصفق لهما الملأ من الحذاق والقطط السمان، حينما أعلن المجلس المفقِّر عن سعر صرف جديد موحد، وكأنه حل سحري للأزمة الإقتصادية الخانقة التي خنقت المواطنين، وحولت حياتهم إلى جحيم بعكس حياة الترف والنعيم التي يستمتع بها أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي وزبائنهم الحذاق أبطال ملحمة الاعتمادات الوهمية.
على كل حال مهما كان هذا القرار الجديد قرار توحيد سعر الصرف و”تتطييح سعد الدينار الليبي” صائباً من الناحية الاقتصادية فإنه لا يعدو كونه تلاعبا بالسياسة النقدية؛ للتغطية على فساد عريض في أموال الشعب الليبي التي صارت دولة بين مجموعة من الأغنياء، قليل منهم من المحسنين والغالبية من المطففين ومانعي الزكاة المتهربين من الضرائب ومهربي أموال ليبيا إلى خارجها فلا مشاريع لهم إلا قليلاً منها للمضاربة وغسيل الأموال؛ لزوم الشغل وذراً للرماد في عيون أبناء الشعب الليبي الذين صاروا يطالبون برحيل كل تلك الوجوه القاسية الملامح التي لا تأبه لكل مآسي الناس، والفقر الذي أكل اللحم ونخر العظام فتباً لهم وتب.
إن الحل ليس بتغيير سعر الصرف، الحل يبدأ بتغيير مجلس الإدارة بمحافظيه، وإحداث تغيير “تكتوني” في إدارات مصرف ليبيا المركزي، وكل ذلك بعد تشكيل السلطة التنفيذية الموحدة التي يتعين عليها أن تصر على ذلك التغيير بلا تردد، فقد جاوز الظالمون المدى.