لاشك أن جائحة كورونا قد شكلت منعطفًا تاريخيًا واجتماعيًا في كل أنحاء العالم، ولاشك أيضا بأن خطرها وسرعة انتشارها بات أمرًا مرعبًا قض مضاجع العالم بأسره على حد سواء. فلا استثناء بين الناس ولا استثناء بين الشعوب ولا الدول.
كورونا الصادق والكاذب:
سرعة انتشار المرض صاحبه سرعة لانتشار أخباره وأماكن وصوله وعدد المصابين والمتوفين؛ جراء فتك وصرع هذا الفيروس بضحاياه، فتصّدر الأخبار وكان العنوان الرئيسي للإعلام التقليدي والإعلام التواصلي.
فثمة كورونا صادق وكورونا يسير بطير بين الناس على بساط الوهم والخوف.
وعي الإعلام:
كثيرون هم المهوسون بنقل الأخبار وتحليلها؛وبخاصة في أمور تجد شغف المتابعة والتلهف من قبل عموم الناس، فنجد الناقل لخبر غير متأكد من صحته ولا صحة مصدره. فقط يجري وراء السبق الخبري ولايهمه مدى المصداقية، فكان الكثير من المدونين وبخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي سببًا في ذعر مجتمعاتهم ووسيلة رخيصة لنقل الأخبار الكاذبة والمهولة عن كورونا.
وقد تنبهت بعض الدول لهذا الخطر مبكرا، كالمملكة المغربية التي سنت قانونا عقابيا للمروجين للأخبار الكاذبة عن انتشار وإصابات فيروس كورونا.
تفسيرات:
نحن متفقون تماما على خطر هذا الوباء العالمي، وبما لايدع مجالا للشك بأنه خطر محدق وداهم، غير أننا لم نتردد في تفسيره، منطلقين من خلفياتنا الفكرية والثقافية المسيطرة على مسار ونهج تفكيرنا.
فمن مفسرٍ له على أنه غضب إلهي إلى كونه عملية مخابراتية ضمن حرب جرثومية، إلى حرب سياسية واقتصادية وغيرها من التفسيرات.
لكن المتفق عليه علميا هو شدة خطره وسهولة انتشاره وأول ظهور له كان في الصين.
الواقع:
واقعيًا وعلميًا وهو التحليل الأقرب للعقل والمنطق أن هذه الجائحة عبارة عن فيروس يضرب الجهاز التنفسي للإنسان ويدخل معه في صراع قد يقضي عليه، وقد ينتصر جسم الإنسان بمناعته متى توافرت بعض الشروط الصحية، وإلى الآن لايوجد له عقار مضاد من شأنه استهداف حياة نشاط الفيروس والقضاء عليه.
عنواننا:
لنرجع إلى عنوان مقالتنا كونه – أي كورونا -بين الخطر والهاجس..فحقيقة الخطر قد تناولتها في أسطرها السابقة، لكن أين الهاجس.
الهاجس:
متفقون تمام الاتفاق أن الإنسان تصيبه أمراض بيولوجية عضوية وهي الأمراض الأقل خطرًا عن الأمراض السيكولوجية المتعلقة بنفسية وسلوك الإنسان، فخطر كورونا قد يصير هاجسه مرضًا نفسيًا أشد خطرًا من فتك الفيروس نفسه..
ولنا في التجارب النفسية المثال الواضح. فنفسية الإنسان المشوبة بالخوف والحذر من غريب الأشياء، وبخاصة المرض والموت، تجعلها صانعة بارعة ومجسدة متقنة لمسرح أحداث تستدعي فيه كل ظروف ولوازم حالات غريبة عجيبة، تذعن لها بطاعة عمياء كل أجهزة الجسم..
فالتجارب النفسية التي أجريت على محكومين بالإعدام بالإبرة السامة ماتوا وقد كانت الجرعة دواء عاديًا وليس المركب المخصص للموت وتنفيذ أحكام الإعدام. كذلك من تم إبلاغهم بأنهم سيُعدمون خنقا بضخ غاز بعد ساعتين، فوجدوا أن نفسية الإنسان تستدعي كل الظروف وتعطي إيعازا لأجهزة الحياة بالجسم بأن الموت قد بدأ ينهشها فتذعن صاغرة وتتوقف عن العمل، بل وبعضها يقوم بوظيفة إفشال عمومها عن العمل. فقط لتنفذ ما أُمرت به من منبع استحضار الموت والانتهاء، ومصدر التعليمات نفسية الإنسان ذاته. فماتوا دون أن يضخ الغاز السام.
بين أمرين:
نحن نعيش مرحلة غاية في الحساسية بين أمرين متناقضين اثنين، حسيٌ: وهو وجوب الحذر واتخاذ كافة ترتيبات وتدابير الوقاية والعلاج.
وبين أمر روحي ونفسي: يستوجب الأمل في الانتصار على هذا المرض، وعدم الركون إلى التذمر والإحباط والخوف، فقد نموت بالكورونا النفسية ولم تصبنا الكورونا العضوية.
ماذا ينبغي؟
وجب الأخذ بكل أسباب الحيطة وتدابير الوقاية من وصول المرض إلينا بواقعية علمية، دون الركون لعواطف نفسية أو اجتماعية أو دينية.
وفي حال الإصابة اتباع تعليمات الإطباء وأخذ كل وسائل الدواء والعلاج. والأهم أن نكون في الوقاية والعلاج بروح قتالية متفائلة بانتصارنا على هذا الوباء، وأن نزن هذا المرض بحجمه الحقيقي المادي ولا نسمح له بأن يتسرب إلى نفسياتنا، فهي المنساة وهياكل الأعضاء، فبعلوها ننتصر، وبوهنها لا قدر الله ننطفئ وننتهي.
عقيدة واثقة:
لنجعل فترة الوقاية أيام هدوء نفسي نُنصت فيها لدواخلنا ونراجعها ونقيمها؛ قصد إيقاظها من سُبات نومها وشرود غفلتها؛ لتنويرها وتقويتها برباط الإيمان وتوثيق علاقتنا بالله جل في علاه.. فهو القوي الشافي وعليه التكلان. ولنعلم يقينًا لا يأتيه الشك من أي حدب ولاصوب بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن الفرج مع الكرب والنصر مع الصبر واليسر مع العسر. فما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم من دعم نفسي وروحي لم يؤته أمة من الأمم.
يقينًا سنجابه الكورونا وإرهاصاتها، وسننتصر عليه ونقهره. وستكون محنتنا تاريخًا في غابر فصول الأيام..نعم سننتصر ويولى كورونا الدبر.