من المرجح أن ملف الأزمة الليبية لن يكون على سلّم أولويات إدارة البيت الأبيض الجديدة، فالملفات الكبيرة على الصعيد الداخلي التي تنتظر الرئيس المنتخب جو بايدن، والتي سيتركها له سلفه دونالد ترمب ستكون هي الأولوية بالنسبة له، خاصة فيما يتعلق بجائحة كورونا وآثارها الاقتصادية والاجتماعية واتهامات العنصرية ضد السود والأقليات التي تطال أجهزة الشرطة في عدة ولايات، ومع ذلك فإن ملامح السياسة الخارجية التي تحدث عنها بايدن خلال حملته الانتخابية وفي خطاب النصر يمكن من خلالها معرفة الإطار العام الذي ستتعامل فيه هذه الإدارة مع الأزمة الليبية.
أبرز ما تحدث عنه بايدن فيما يخص السياسة الخارجية لإدارته هو العودة إلى التحالفات الدولية التي كانت تعتمد عليها واشنطن في المحافظة على نفوذها، ويؤكد هذا النهج ترشيح بايدن لمنصب وزير الخارجية مستشارَه السابق للأمن القومي (أنتوني بلينكن)، الذي انتقد -بحسب ميدل إيست إي- سياسة ترمب القائمة في جانب على الدعم السياسي غير المحدود للأنظمة الاستبدادية مقابل مكاسب اقتصادية تمثلت في صفقات السلاح، واعتمدت في جانب آخر على تقويض مصالح حلفاء واشنطن الاقتصادية تحت ذريعة المنافسة التجارية؛ الأمر الذي أدخل العلاقات الأمريكية في حالة من الفتور الذي كان يتوتر أحيانا بسبب مواقف أو تصريحات ترمب.
وبالحديث عن التحالفات الدولية التي من المرجح أن تسعى خارجية بايدن إلى ترميمها وإعادة الحيوية إليها، فإن الملف الليبي يمثل فرصة مهمة لواشنطن للعمل المشترك مع الأوروبيين في توحيد سياستهم الخارجية، خاصة أن الوجود العسكري الروسي يمثل تهديداً للأمن الإستراتيجي الأمريكي والأوروبي، وهذه النقطة هي محل اتفاق بينهما، لذلك فإن العمل على الملف الليبي هو الأسهل لإعادة ثقة الأوروبيين في السياسة الخارجية الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن الوجود التركي الذي لا تحبذه إدارة بايدن سيبقى مهماً لها لضمان توازن القوة في المشهد الليبي، وهذا لن يمنع إدارة بايدن عن التوجه إلى تقليل الاعتماد على الدور التركي لحساب دور أوروبي أكثر فاعلية.
التوجه المحتمل لإدارة بايدن فيما يخص الملف الليبي، لن يؤثر على عملية التسوية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة وتحظى بدعم أمريكي تعكسه تصريحات السفير الأمريكي، وربما ستكون هناك ضغوط أكبر من إدارة بايدن على الدول الداعمة لحفتر (الإمارات ومصر)، خاصة بعد مشروع القانون الذي قدمه مشرعون ديمقراطيون وجمهوريون يحظر بيع أسلحة للإمارات من بينها طائرات مسيرة قد تستخدم لتصعيد القتال في ليبيا واليمن، وموقف بايدن الواضح من ملف حقوق الإنسان في مصر. أيضا تمرير قانون استقرار ليبيا في الكونغرس الأمريكي سيجعل الخارجية الأمريكية أكثر التزاماً فيما يتعلق بالملف الليبي، وأكثر فاعلية فيما يخص هذا الملف داخل مجلس الأمن.
فاعلية الدور الأمريكي في الأزمة الليبية سيكون له أثر إيجابي في الالتزام بالتسوية التي ترعاها البعثة الأممية محليا ودوليا، كما أن حكومة الوحدة الوطنية المفترض تشكيلها كأبرز نتائج التسوية ستكون شريكاً مهما لإدارة بايدن إذا استطاعت بناء رؤية لسياستها الخارجية تنسجم مع توزانات القوة والمصالح للدول المعنية بليبيا.