فتحي علي باشاغا (1962) أحد أبرز قيادات ثورة فبراير الليبية، وعضو مجلس النواب الليبي عن دائرته بمسقط رأسه مصراتة، والمقاطع لجلسات المجلس على خلفية انعقاده في مدينة طبرق، ووزير الداخلية -حتى وقت قريب- بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كلف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني باشاغا كوزير مفوض للداخلية على أعقاب حقبة من الإصلاحات تبناها المجلس آنذاك، تبنى باشاغا الطيار السابق والمستقيل من سلاح الجو الليبي عام1993 ، سياسة احتواء الجميع إلا المليشيات المسلحة المتحرشة بالسلطة السياسية، حيث إن المشهد في طرابلس بداية من عام 2017 شهد سطوة لمليشيات معينة على قطاعات وزارية كبيرة، مما أدى إلى تغلغل الفساد والمحسوبية والتأثير على الرأي السياسي لصالح فئة من الفاسدين والمتنفعين دون غيرهم.
باشاغا ترجع أصوله لمدينة مصراته القوية في الغرب الليبي وكان رفضه ممارسة مهامه من مقر الوزارة الرئيسي وسط طرابلس، حتى تخرج التشكيلات المسلحة التي سيطرت على أجهزة معينة من قلب هذه المقرات، كما أنه في سلوك لم يعتده الليبيون من وزراء رفض الاجتماع بقيادة هذه المليشيات التي كانت تسود طرابلس، ورفض تقديم الولاء أو التعاون والتهاون معهم. لم يكن باشاغا يمتلك الخصائص والخبرة الأمنية، لكنه امتلك الكاريزما التي جعلت جميع الضباط الذين تراجعت أدوارهم بعد ثورة فبراير يلتفون حوله، ويبنون وزارة الداخلية من العدم -حسب قول باشاغا- كما أنه أسس ما سماه عقل الداخلية بقيادة مجموعة من الضباط الأكفاء للوقوف على المعوقات وتحقيق إنجازات يمكن أن يلمسها المواطن.
باشاغا وصد عدوان حفتر
دون أي شك كان لفتحي باشاغا دور بارز رفقة فايز السراج واللواء أسامة جويلي واللواء محمد الحداد في صد عدوان حفتر على طرابلس، وهذا عن طريق السعي وراء عقد اتفاقات وتحالفات مع دول إقليمية كقطر وتركيا، ناهيك عن القيام بدور دبلوماسي دولي في ظل تراجع دور الخارجية الليبية فترة العدوان، كما أنه وفي ظل القصف وقلة الإمكانات تمكن باشاغا من إخراج نموذج أمني جيد في العاصمة طرابلس رغم الجراح والألم وقوة العدوان وشراسة الجبهات.
دور باشاغا تجاوز عمله كوزيرٍ للداخلية، حيث إنه كان منسقا للقوات التابعة لحكومة الوفاق على اختلاف أطيافها من قوى أمنية واستخباراتية، وكذلك الداعمين الدوليين لهذه القوات، وقد حضر اجتماعا مهما في روما مع شخصيات أميركية، للتحاور حول الحلول الممكنة لمستقبل الحالة الليبية، كما أنه وعلى طول فترة العدوان كان محيطا بالوضع العسكري والأمني والسياسي، وقد رافق رئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج في أغلب رحلاته الأوروبية، والتي كان أهمها وجوده في وفد حكومة الوفاق في اتفاق موسكو ومؤتمر برلين بشأن الصراع في ليبيا اللذين انعقدا مطلع هذا العام.
تصريحات نارية
ومع احتدام الصراع العسكري وتزايد حدة الاشتباكات، خرج باشاغا على الإعلام ليتحدث عن تورط إحدى المليشيات المتحرشة بالسياسة في إساءة إدارة جهاز الاستخبارات الذي تحدث إنه مخترق ولم يعد موثوقا، كما أنه اتهم قياديين بهذه المليشيا أنهم اجتمعوا في إيطاليا بتنسيق استخباراتي إيطالي مع مسؤولين إماراتيين معنيين بالملف الليبي ودعم العدوان وإثراء الفوضى في ليبيا، باشاغا أردف أن هذه المليشيا سعت لابتزاز مسؤولين للحصول على أموال غير مشروعة عبر تزوير فواتير وإبرام صفقات شابتها شبهات فساد في المال العام، وأن هدفه هو التحقيق في كل هذه الأموال و الدين الذي تراكم على وزارته والذي بلغ 1.4 مليار دينار ليبي، أي ما يعادل 1 مليار دولار.
تصريح ناري في وقت حساس، إلا أنه على قدر ما هدد بانهيار جبهة الوفاق، إلا إنه داعب مشاعر البسطاء من الليبيين الذين لم يعتادوا على هكذا مواقف من أي وزير، خاصة في حقبة حكم فايز السراج.
تحدث باشاغا أكثر من مرة عن عزمه على تفكيك المليشيات التي تقتات على الفساد، كما عمل على تجفيف منابعها، لكن منابعها لم تكن وزارة الداخلية فقط، حيث إن باشاغا تحدث في أواخر يوليو/تموز عن أن وزارته ستبدأ في التحقيق في قضايا فساد قد تطاول موظفين كبارا في الدولة، خاصة في مجالات الكهرباء والصحة والحكم المحلي والمالية، وطالب باشاغا جموع الشعب الليبي بالخروج للتظاهر السلمي ضد أداء الحكومة الضعيف، وأرجع ارتفاع معدل الجريمة إلى الظروف القاهرة التي يعيشها المواطن الليبي من انهيار للمنظومة الصحية وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي يصل حتى 20 ساعة في اليوم.
منذ أن وطئت قدما باشاغا وزارة الداخلية كان يعمل على أن يكون وزيرا لكل الليبيين على اختلاف توجهاتهم، ففي يناير/كانون الثاني 2019، أصدر باشاغا بحكم أنه وزير للداخلية أرقاما وطنية ووثائق لأسرة القذافي متمثلة في أرملته وأبنائه، وعزا باشاغا هذه الخطوة إلى أنها امتثال لقواعد العدل والمساواة بين الليبيين، كما أنه فتح قنوات تواصل وتعاون أمني مع حكومة طبرق، إلا أنها انهارت بعد عدوان حفتر على طرابلس. باشاغا قال إنه لو خُيّر بين 25 شخصا من الفاسدين وبين7 ملايين مواطن ليبي لانحاز للشعب، كلمات وجدت استقبالا كبيرا في قلوب الليبيين المطحونين بين حرب وفقر وقلة في الخدمات.
ومع اندلاع المظاهرات قامت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق بالتعاون مع المتظاهرين، إلا أنه وخلال إحدى المظاهرات المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد، تعرض المتظاهرون لإطلاق نار واستخدام للقوة ضدهم، مما أدى إلى إصابة متظاهرين بالرصاص الحي، باشاغا اتهم في بيان له أحد الأجهزة العسكرية التابعة للمجلس الرئاسي بأنها أفرطت في استعمال القوة ضد المتظاهرين.
وبعد صدور هذا البيان من الوزير، اجتمع المجلس الرئاسي وأصدر قرارا بتوقيف باشاغا احتياطيا عن العمل، وإجباره على الامتثال للمجلس خلال 72 ساعة من يوم 28/8/2020 لغرض التحقيق، قرار صدم عديد المتابعين والمراقبين الذين توقعوا أن يصدر ضد وزراء آخرين تحوم حولهم شبهة فساد، وكرد فعل خرج مئات المواطنين في طرابلس ومصراته ليلة الجمعة في مظاهرات رافضة لقرار السراج وداعمة لباشاغا في مكافحة الفساد.
من جهته رحب باشاغا بهذا القرار وأعلن امتثاله لقرار المجلس الرئاسي وأنه مستعد للتحقيق وأن يكون تحقيقا في جلسة علنية ومنقولة لليبيين على الهواء مباشرة، هذا وقد كان باشاغا يوم صدور قرار إيقافه في العاصمة التركية في اجتماع مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في مهمة عمل حول تعزيز التعاون الأمني بين البلدين.