in

من أمريكا إلى ليبيا.. “الثورة المضادة” تنزف!

لم يكد محور “الثورة المضادة” يستوعب الخسارة التي مني بها في تونس في الأسبوع الماضي، إلا وقد جاءته “نكسة” جديدة، هذه المرة في ليبيا، بالتزامن مع نزيف آخر يتمثل بالاحتجاجات التي هزت الداعم الأكبر لهذا المحور، دونالد ترامب.

ليبيا.. سقوط أحجار الدومينو

بعد فشل المحاولات لإثارة البلبلة في تونس، وإسقاط رئيس البرلمان تمهيدا لإنهاء البرلمان نفسه يوم الاثنين الماضي، تسارعت انهيارات حليف/ أو وكيل هذا المحور في ليبيا، خليفة حفتر، وتساقطت قواعده مثل أحجار الدومينو في جنوب وغرب ليبيا، بعد أيام من الضربة الكبيرة التي تعرضت لها قواته بتحرير قاعدة الوطية الاستراتيجية والمهمة، من قبل الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

وحتى ندرك أهمية هذه التطورات في ليبيا بعد تونس، لا بد أن نثبت أولا حقيقة الصراع في المنطقة من زاويتين: الأولى أنه صراع شامل لا يقتصر على بلد عربي دون آخر، فجوهر الثورات الشعبية ينطلق من وحدة آلام وآمال الشعوب العربية التي تتشابه تماما، ولهذا فقد كان انطلاق الثورة في تونس مقدمة لثورات عمت العالم العربي ككل.

والثانية: أن هذا الصراع هو ليس بين تيارات سياسية معينة كما يحاول البعض تسطيح المسألة، بل هو بين الشعوب العربية وتطلعاتها للحرية والكرامة وبين أنظمة وقوى تريد الإبقاء على الأمر الواقع منذ تأسيس دولة ما بعد الاستعمار، وتشعر أن نجاح الشعب في تحقيق أهدافه في أي دولة عربية قد يشكل إلهاما لشعوبها، ولذلك تسعى لمنع حدوث مثل هذا النجاح بأي ثمن!

وبالنظر لهاتين الزاويتين في فهم الصراع، نستطيع أن ندرك حجم الخسارة التي تلقتها دول “الثورة المضادة” والقوى التابعة لها، لأن ما يبشر به حفتر وداعموه هو حكم عسكري انقلابي جربه العرب طويلا وذاقوا مرارته وأدركوا فشله، وهو يتناقض تماما مع تطلعات الشعوب ومع فكرة الثورات الشعبية التي بدأت في تونس، ولم تنته بعد. 

بينما يريد محور الثورة المضادة حكما “عصبويا” مؤبدا، يسهل التحكم به من قبل الدول الخارجية، ويعمل لمصلحة نفسه وعصبته، لا مصلحة دولته وشعبه.


ولكن خسارة هذا المحور في ليبيا لا تقتصر فقط على الجانب المعنوي، بل إنها أيضا تمثل خسارة مادية واستراتيجية كبيرة في عدة اتجاهات:


فمن جهة، تمثل خسارة حفتر نهاية لآمال هذا المحور بالسيطرة على مصادر الطاقة الليبية، حيث إن حكم ليبيا من قبل حكومة منتخبة سيجعلها تنفذ سياسات وطنية في إدارة موارد البترول، كما أنها ستكون خاضعة لرقابة البرلمان، بينما سيكون أي حاكم عسكري سواء حفتر أو غيره مستعدا لتوقيع اتفاقات مجحفة بحق الشعب الليبي، كرد لجميل الدول الداعمة له، ولضمان استمرار دعمها، ولأنه لا يخضع لرقابة من قبل البرلمان أو الصحافة أو القضاء.


ومن جهة أخرى، فإن وجود دول “الثورة المضادة” في الصف الداعم للانقلاب والمناهض للحكومة الشرعية سيفقدها أي نفوذ في ليبيا المستقبل، لأن الشعب الليبي سيذكر القوى والدول التي وقفت ضد استقراره، وتلك التي دعمت حكومته المعترف بها دوليا. 

ومن جهة ثالثة، فإن خسارة هذا المحور كبيرة بتصاعد الدور التركي في ليبيا، التي أصبحت الآن لاعبا رئيسيا ليس فقط في الصراع المسلح، بل في البحر المتوسط ومعادلة الطاقة بالغة الأهمية في مياهه. كان يمكن لهذه الدول أن تفتح الطريق لدور عربي مطلوب في ليبيا الجديدة، ولكنها تركت هذا الطريق لتركيا، لأن هذه الدول آثرت أن تنحاز لطرف الانقلابات العسكرية، وأن تقف إلى جانب الماضي، فيما يريد الليبيون أن يتجهوا للمستقبل بعيدا عن ماضي دولة القذافي الذي ذاقوا منه الويلات.

اجتماع القاهرة.. ومبادرة المهزومين

لا يمكن أن يعبر عن بؤس حال محور الثورة المضادة، وعن نزيفه الكبير، أكثر من اجتماع القاهرة بين فريق المهزومين، وللمفارقة فإن هؤلاء المهزومين اعتقدوا أنهم مؤهلون لعرض مبادرة لا تستند إلى أرض الواقع، ولا تمتلك أي ورقة من أوراق القوة، اللهم إلا تلميح السيسي للانقسام في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه “مبادرته”، حين سمى حفتر وجماعته بـ”حكومة الشرق”.

وبدل أن تكون مصر الكبيرة “حكما” بين الأشقاء الليبيين، ظهرت في مؤتمر “مبادرة المهزومين” طرفا في الصراع.. فماذا أكثر دلالة على نزيف ذلك المحور من هذا المشهد؟!

إذا عطس ترامب.. أصيبوا بالزكام!

لم يقتصر نزيف “الثورة المضادة” على تونس وليبيا، ولكنه ازداد عمقا مع دخول أزمة راعي هذا المحور ترامب على الخط.


وفي الوقت الذي يعاني فيه ترامب من أزمة غير مسبوقة لا في عهده ولا في عهد غيره من رؤساء أمريكا خلال خمسة عقود بسبب الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت البلاد بعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد، فإن هذه الأزمة تمثل خبرا سيئا للدول التي حاولت مقاومة التغيير والانتقال الديمقراطي في المنطقة، لأن هذه الدول ازدادت “توحشا” في عهد ترامب، وازدادت سياساتها “التدخلية” أيضا بعد إقناعها لترامب أنها يمكن أن تمثل وكيلا إقليميا لواشنطن، ولذلك فإن أزمة ترامب وارتفاع حظوظ منافسه بايدن في الانتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري، تمثل ضربة كبيرة لهذا المحور.

لا نقول هذا باعتبار أن بايدن سيكون خيارا جيدا للعرب، فسياسة الولايات المتحدة في المنطقة تقوم على مصالحها، وعلى دعم الاحتلال بدون شروط، وعلى تأمين سيطرتها على سياسات النفط، وهذا سيستمر سواء مع ترامب أو غيره، ولكن السنوات الأربع الماضية شهدت “بلطجة” أمريكية غير مسبوقة، ودعما لانهائيا لحكومات قمعية، ما جعلها تبالغ في القمع كما لم يحدث من قبل.

المصدر/ عربي 21

كُتب بواسطة raed_admin

مقابلة خاصة مع رئيس المجلس التسييري لترهونة

الكشر: نسعى لتحسين علاقتنا بالبلديات المجاورة بعدما أفسدتها “عصابة الكاني”