لم يكن إعلان البعثة الأممية اتفاق اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على مسودة لوقف إطلاق النار ـ على قدرٍ من الشفافية بعد تصريح رئيس الوفد المكلف من الوفاق بأن التفاوض مع البعثة يرتكز أساسا على انسحاب المعتدين إلى ما قبل 4 من أبريل الماضي، وأن شروطهم إما أن تُقبل جملة أو ترفض جملة واحدة، وقد حاولت البعثة مرة أخرى تجاهل هذا الأمر، والقفز على الحوار العسكري الذي لم يجنِ ثماره، داعية مجلسي الأعلى والنواب إلى المشاركة في حوار جنيف.
وجاء الردّ سريعًا على البعثة من مجلسي النواب والأعلى للدولة، بتعليقهما المشاركة في الحوار السياسي؛ لعدم تحقيق أي تقدم واضح في المسار العسكري، ولما يكتنف حوار جنيف من ضبابية في أجندته، وآلية اتخاذ القرار فيه، ومعايير اختيار سلامة للأعضاء الـ 13 المستقلين، ورغم كل ذلك تصرّ البعثة على عقد الحوار دون تحقيق مطالب المجلسين حتى الآن.
لن ينجح الحوار
وحول آفاق هذا الحوار وفرص نجاحه، يرى الكاتب الصحفي عبد الله الكبير، أن الحوار لن ينجح بغياب أحد الأطراف؛ لأن المستقلين وحدهم لا يمكن أن يقرروا وينفذوا ما يمكن التوصل إليه من تفاهمات، مشيرا إلى أن اللقاءات ربما تستمر وتكون تشاورية فحسب، إلى أن يلتحق مجلسا النواب والدولة بها.
الكبير أكد، في تصريح للرائد، أن سلامة يريد أن يحقق أي إنجاز من خلال هذه الحوارات، موضحا أنه يجازف بإفشالها طالما لم يشارك فيها كل الفاعلين مهما قدم له المجتمع الدولي من دعم، كما أنه لا بد مع المفاوضات من التلويح بالعقوبات تجاه حفتر لكي لا يعرقل أي تفاهمات قد تفضي إليها لقاءات جنيف.
تدشين للمسار السياسي
المحلل السياسي فرج فركاش أوضح ، أن حضور اليوم لم يقتصر فقط على “المستقلين” فقد حضر أيضا نواب منقطعون عن جلسات طبرق وطرابلس، وعدد صغير من النواب المجتمعين في طرابلس، وهذه الجلسة هي تدشين لبدء المسار السياسي، مؤكدا أن لغة التعنت ورفع سقف الشروط والمطالب، التي قد نتفهم بعضها، هي السائدة حاليًّا.
وانتقد فركاش في تصريح للرائد، بعض الشروط التي رأى أن لا مكان لها في المسار السياسي، إذ هي خاصة بالمسارين الأمني والاقتصادي، وتوقع حدوث تنازلات قريبة من المجلسين وحضور الجلسات القادمة التي ستحددها البعثة لاحقا، وأن تكون هناك ضغوط كبيرة من القوى الدولية على المجلسين للالتزام بالمسارات التي حددتها البعثة الأممية، كما رأينا تماما عندما جرى تعليق الحضور في المسار الأمني.
تصرف غريب من البعثة
المحلل السياسي المصري المختص بالشأن الليبي علاء فاروق عدّ ما حدث اليوم تصرفًا غريبًا من البعثة الأممية ورئيسها، ورأى أن الأمر سيكون مجرد نزهة في جنيف لن تصل إلى أي شيء مع غياب قُطبَيِ التفاوض “البرلمان ومجلس الدولة”، واصفًا إياها بـ “العزومة” الأممية لحفظ ماء وجه “سلامة” بعد انسحاب وفد البرلمان في آخر لحظة، وفي الحقيقة لا قيمة لاجتماع اليوم ولا مخرجاته.
فاروق بيّن، في تصريح للرائد، أن أغلب المستقلين الذي رشحهم “سلامة” واختارهم لا ثقل لهم في المشهد الليبي، وبعضهم ناشطون، كما أن أغلبهم يعيش خارج البلاد، متسائلا ماذا وراء هذه التصرفات “الغريبة” من المبعوث الأممي وبعثته؟ وما سر تجاهل النداءات والمطالب بتأجيل جلسات المسار السياسي حتى يحدث تقدم في المسار العسكري؟ لافتا إلى أن “سلامة” يعلم يقينًا فشل المفاوضات العسكرية؛ ولذلك يحاول ترميمها بمفاوضات سياسية واقتصادية.
سلامة ليس وسيطًا للحل
وأوضح الكاتب الصحفي علي أبوزيد أن غسان سلامة يصرّ على المضيّ في العملية السياسية دون تهيئة المناخ لها بعدم الالتفات إلى شروط مجلسي الدولة ونواب طرابلس الموضوعية، وهو ما يؤكد أنّه يريد الخروج بحلول معدّة مسبقة، مما يجعله جزءاً من الأزمة وليس وسيطاً لحلّها.
أبوزيد اعتبر أن سلوك سلامة كوسيط يحتاج إلى تقويم وربما يحتاج إلى استبدال، فالرجل درجة الثقة فيه والقبول به صارت متدنية؛ بسبب حالة الفوضى التي يتعمدها في إدارة مسارات التفاوض والغموض والتعتيم المتعمد الذي يصر عليه.
فهل يرضخ سلامة لطلبات مجلسي النواب والأعلى للدولة وقبلهما اللجنة العسكرية المشتركة أم أنه سيمضي قدما في الحوار بمشاركة الأعضاء المستقلين مما ينذر بفشل المسار السياسي قبل أن يبدأ أساسا لتعلو أصوات المدافع التي لم تهدأ تماما مرة أخرى؟