وتأبى الحقيقة إلا أن تفضح المتسترين خلف الكذب والتضليل، وتأبى الآلام والمصائب إلا أن تكشف نوايا المفسدين، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
لوعة يفجرها إجرام “الجيش”
إي والله، هكذا هي المحن والنوائب.. ومنها وليست الأولى حادثة قتل أنيس وزوجته، واللوعة التي تنتابك وأنت تسمع نداء الزوجة المنتحبة أن: قاوم يا أنيس الموت لأجل أطفالنا، والموت يتسلل إلى عروقها ويتمكن منها وهي لا تأبه.
قتل أنيس ولحقت به زوجته بقصف متعمد من طيران الجيش التابع للبرلمان، والذي صار سلوكه أقبح بمراحل من إجرام المليشيات التي جاء ليحرر العاصمة منها. وبتتبع بسيط لحوادث قصف الآمنين في بيوتهم وقتل الأطفال والاستهداف المتعمد للمنشآت العامة الحيوية واستقدام المرتزقة من ملل ونحل عدة وفعل كثير من المنتسبين له على الأرض وفي ساحات القتال تتكشف لكل ذي بصيرة أغراض العدوان ونوايا عرابيه.
أعداء الثورة يتباكون على السيادة
بحث المتنطعون الذين تغذوا من الفساد والظلم والقهر على موائد المستبد لعقود عن حجج ليقمعوا بها ثورة الناس ضد اختطافهم لليبيا، أرضا وثروة وشعبا وتاريخا وسياسة واقتصادا وثقافة، فاهتدوا إلى أنها صناعة المستعمر ومؤامرة خارجية، فلطموا الخدود وشقوا الجيوب وتباكوا على ليبيا وسيادتها وخيراتها، ولم يترددوا في وصف من احتج وتظاهر ووقف ضد الاستبداد والفساد في فبراير 2011م بالعمالة.
ها هم اليوم يغرقون في العمالة للثمالة، ويتسولون على أبواب القريب والبعيد ليشفوا غليلهم، ويؤيدون تآمر العرب والعجم، بل ويهللون لقصف المدنيين وقتل الأطفال والرجال والنساء، الذي لم يعد حادثة فردية لا يقاس عليها، ولا خطأ عابرا قاموا بالاعتذار عنه.
أحد كبار قادة اللجان الثورية، المعروف بتورطه في التعذيب وقمع المعارضين، بل حتى من حامت حولهم شبهة المعارضة، ومن الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها رفضا للتدخل الأجنبي في العام 2011م، يبارك اليوم التدخل العربي والأعجمي، الشرقي والغربي، الفرنسي حيث الاستعمار الرأسمالي، والروسي حاضنة الشيوعية يوما ما، ويبرر قتل المدنيين والأطفال بل ويعتبره قصاصا عادلا، وهو مثال لعدد هائل من أنصار النظام السابق.
تناقضات المناضلين القدامى
ويقف معهم في الخندق نفسه من كانوا يوما ضحايا قمعهم وإرهابهم وعارضوهم بقوة واعتبروهم السبب الرئيسي في انعطاف ليبيا عن مسار التنمية والنهضة والعامل الأبرز في انتكاستها وانزلاقها في دهليز الجهل والظلم والقهر بعد أن نفضت عن نفسها غبار الفقر والتخلف إبان الاستقلال.
هي اللوعة والشعور بالمرارة وأنت ترقب الأحداث المروعة من حروب وقتل ودمار، كما هي الصدمة والذهول أمام تناقضات المناضلين القدامى الذين سقطوا في اختبار المبادئ،
نعم يصطف اليوم الضحية والجلاد في خندق واحد لنصرة مشروع معلوم لدى العقلاء غايته، ومعروف لدى من يمعن النظر قليلا أنه عودة للاستبداد وحكم الفرد وتيه آخر قد يكون أكثر ضياعا من سابقيه.
من كانوا معارضين يوما للاستبداد ولحكم العسكر وللفرد المتحكم في مصير الشعب واعتبروا أنفسهم وقودا للثورة وشعلتها بنضالهم لأربعين سنة، يهللون اليوم للمستبد العسكري المرتمي في أحضان الشرق والغرب والذي لا يتورع عن فعل أي شيء، ولا يتردد في استخدام أي سلاح ولا يأبه بقتل المدنيين وسحل الأسرى وذبح المعتقلين ورميهم في مكبات القمامة، والمتعالي عن القوانين والأعراف والرافض للخضوع للسلطة التي رشحته لمنصبه وأعطته الصفة العسكرية التي يتبجح بها.
هي اللوعة والشعور بالمرارة وأنت ترقب الأحداث المروعة من حروب وقتل ودمار، كما هي الصدمة والذهول أمام تناقضات المناضلين القدامى الذين سقطوا في اختبار المبادئ، وصراخ أنصار الديكتاتورية المتباكين على السيادة، وهو قدر الليبيين أن يوجهوا هذه المصائب ويقفوا على هذه المتناقضات، ولعل في ذلك خير، والقادم أفضل بإذن الله.
الكاتب : السونسي بسيكري
المصدر : موقع عربي 21