يربط الكثير بين إعادة الاستقرار والوصول إلى مشروع سياسي يوقف الحرب وبين توزيع الثروة النفطية على أرجاء البلاد، ويرون أن توزيع دخل النفط باعتباره هو المهيمن على الإيرادات الحكومية والمكون الغالب للميزانية العامة للدولة هو مفتاح الحل الاقتصادي، ويفترض أغلبهم أن هذا الريع يجب أن يوزع وفقا للمعايير السكانية أو المساحة الجغرافية، وأن تكون حصص يعطي لمصادر إنتاج النفط حصة إضافية، وكأني بهم يوزعون تركة على ورثة متناحرين.
هذا المنظور لتوزيع الريع أيا كانت صوره وأشكاله وتقسيماته يبدو في تقديري قاصر الفهم، ويستبعد أهم عناصر الميزانية العامة للدولة والتي يجب أن تحقق أهداف تنموية عامة على مستوي البلاد وليس مجرد أهداف محاصصة ضيقة، فالتوزيع لن يقدم شيئا علي الإطلاق، ولن يوفر التمويل لإعادة بناء نموذج اقتصادي يمكن أن يحقق التنمية المنشودة . القضية أكثر تعقيدا وصعوبة مما تبدو عليه، فالريع النفطي بالأساس يذهب أكثر من 60% منه لسداد المرتبات لأغلب الشعب، وأكثر من 20% في شكل دعم بأشكاله المختلفة، ولم يتبق منه إلا الجزء اليسير والذي يخصص لأغراض عمومية وخدمات متفرقة .
إذا كان مشروع الإدارة المحلية بالصلاحيات الواسعة هو الإطار المطروح لمستقبل الإدارة الحكومية الليبية فذلك حتما يجب أن يترافق مع نموذج اقتصادي مختلف تماما عما هو موجود الآن وسابقا، والذي لا بد أن يقوم على مرحلة انتقالية لإعادة تهيئة البيئة المحلية وذلك عبر أولا إنجاز مشروعات البنية الأساسية المتوقفة وتسخير الموارد الوطنية سواء الريعية بزيادة طاقات الإنتاج النفطي أو باستخدام أدوات الاستثمار المحلي المصرفية والاحتياطيات المعطلة لدى المؤسسات المالية الليبية كالمؤسسة الليبية للاستثمار .
فخلق أساس تنموي بالمكونات الرئيسيّة الإدارية المحلية يساعدها علي تبني نموذج قابل للاستدامة ويعتمد عليه في خلق الثروة المحلية عبر الجباية الضريبية والرسوم ومقابل الخدمات والتي ستعمل كأدوات مالية تعزز من قدرة الوحدات الإدارية على الصمود والقيام بدورها المناسب.
وسيكون لزاما في إطار تطبيق نموذج اقتصادي يحقق التوازن وفقا للتطلعات المحلية أن يعاد النظر في البنك المركزي الليبي ودوره ليتحول إلى مؤسسة نقدية تدفع وتساهم في خلق تمويلات الأزمة لبرامج التنمية الوطنية عبر إعادة تأهيل القطاع البنكي بالكامل ليقود مرحلة إعادة التأهيل الاقتصادي المأمول، ويساهم في تمويل المشروعات الاقتصادية وتأهيل القدرات والكوادر التي هي بالأساس أهم مقومات التنمية وليس تقسيم الحصص وتوزيعها الفتات المتبقي من دخل النفط.