بالتوازي مع اللقاءات والمشاورات السياسية في عدة عواصم يستمر حفتر في هجومه على طرابلس ويواصل في الوقت نفسه جلب المزيد من الأسلحة و المرتزقة، تمهيدا للمزيد من التصعيد العسكري، لتحقيق اختراق حقيقي في دفاعات قوات حكومة الوفاق، الصامدة حتى الآن في كل المحاور، رغم دخول أسلحة وتقنيات جديدة لميادين المعارك تحصل عليها حفتر عبر فاغنر الروسية.
وبالمقابل تواصل قوات حكومة الوفاق تعزيز قدراتها الدفاعية لصد الهجوم و معادلة الأسلحة الجديدة، لكي لا يتغير ميزان القوة لمصلحة حفتر، وسوف يتاح لها بفعل الاتفاق الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق والحكومة التركية أن تحصل على الإمكانيات اللازمة لمواصلة الصمود والتحول نحو الهجوم إن أمكن، لإجبار قوات حفتر على التراجع.
نيران الحرب مرشحة لزيادة لهيبها، بسبب تنامي التدخل الروسي الداعم لحفتر بالخبراء والقناصة والطيران، فضلا عن التقنيات المتطورة لإسقاط الطائرات المسيرة لحكومة الوفاق، ولعل خروج المتحدث باسم قوات حفتر ليعلن عن منطقة حظر جوي فوق طرابلس يؤكد أن القدرات الروسية باتت تسيطر على أجواء طرابلس باستخدام هذه التقنيات، ويعزز هذه الفرضية إسقاط طائرة مسيرة إيطالية ثم طائرة أخرى أمريكية، و هو ما أجبر حكومة الوفاق على إبرام مذكرتي التعاون للحصول على دعم عسكري لمواجهة هذا التطور الطارئ على توازن المعركة.
لا يبدو أن الروس بصدد التراجع عن هذه الخطوات المتقدمة في ليبيا.
تصريحات وزير الخارجية الروسي تشي بذلك، إذ أطلق خلال الأيام الماضية جملة من التصريحات يمكن تفسيرها على النحو الآتي.
[الجنود الأمريكان كثر في منطقة المتوسط فلماذا يتم التركيز على الوجود الروسي] جاء ذلك ردا على سؤال عن وجود قوات روسية تشارك في الصراع الدائر بليبيا، لم ينف بشكل واضح وصريح إنما أحال الأمر إلى الوجود الأمريكي، ثم وصف أخبار تنامي الدور العسكري الروسي في ليبيا بالشائعات. الإنكار ثم الإنكار قبل الاعتراف تسلسل سبق للروس ممارسته في أوكرانيا وسوريا، وفي الاتجاه نفسه ذهبت تصريحات المتحدث باسم الكرملين ردا على تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي (لا يحق للكثير من الدول، اخلاقيا، الحديث عن زعزعة استقرار الأوضاع في ليبيا بعد أن دمروها بأفعالهم التي تنتهك القانون الدولي)
[الناتو أقدم على مغامرة خطيرة في ليبيا] و هو بذلك يؤكد أن التدخل الغربي في ليبيا لحماية المدنيين من بطش القذافي بموافقة روسيا في مجلس الأمن ثم تطور التدخل إلى إسقاط نظام القذافي، يشكل عقدة الخديعة لروسيا، و لا يمل الساسة الروس التذكير به في كل حديث عن الأزمة الليبية.
[فاجأني عدم دعوة الأحزاب الليبية ودول الجوار لمؤتمر برلين، و كذلك الاتحاد الأفريقي، آمل أن نحرز تقدما في المستقبل مع مقاربة أكثر شمولا] هنا يبدو لافروف واضحا جدا في تحفظه على مؤتمر برلين، فهو يعلم أن المؤتمر يسعى إلى التوصل لتوافق بين الدول المنخرطة بشكل مباشر في الصراع قبل الانتقال للأطراف الليبية، فبدون التزام حقيقي من الدول الفاعلة عسكريا بوقف توريد السلاح والعمل على وقف القتال لن تكون هناك أي تسوية سياسية، والحديث عن مقاربة مستقبلية يعني بوضوح مبكر عدم الاستجابة الروسية لما يتوقع صدوره من برلين.
تزامنت تصريحات لافروف مع استقبال نائبه بوغدانوف لوفد من وزارة الخارجية بحكومة الثني غير المعترف بها دوليا، وإجراء مباحثات حول مجمل التطورات الليبية، وهي خطوة أخرى تؤكد أن روسيا ماضية في ترسيخ وجودها كلاعب رئيس في ليبيا ينافس وينازع الوجود الغربي، ولن تثمر أي جهود للتسوية السياسية أو حتى التهدئة لا تأخذ بعين الاهتمام الاشتراطات الروسية.
ورغم البيانات والتصريحات الأمريكية القلقة من تنامي الدور الروسي في ليبيا، واللقاء المباشر لفريق رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية مع حفتر لبحث آفاق وقف الحرب وتحجيم الوجود الروسي، إلا أن ذلك لم يعقبه أي تحرك عملي ملموس لدفع حفتر إلى الاستجابة للموقف الأمريكي باستثناء عدم الاعتراض على توقيع مذكرتي تفاهم وتعاون بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، يمكن من خلالها لحكومة الوفاق الحصول على ما يمكنها من صد العدوان وموازنة ما سيحصل عليه حفتر من دعم عسكري روسي.
لم يعد ثمة شك في أن دخول فاغنر الروسية كمقدمة لتدخل روسي أوسع وإعلان تركيا دعمها للحكومة الوفاق بشكل رسمي يعد تحولا خطيرا في الأزمة ، وأن الأدوار المحلية في الصراع تتراجع مفسحة المجال للقوي العظمي والكبرى تتنافس وتتصارع في الساحة الليبية، إذا اقتربت من التوافق حول حصصها من السلطة والنفوذ وعقود الطاقة وإعادة الإعمار ستفرض وقف الحرب والتسوية السياسية عبر قرارات حاسمة من مجلس الأمن، وهذا لن يكون بالأمر السهل مع تعدد الفاعلين الدوليين والإقليميين في ليبيا، وحدة الصراع الدولي في هذه الأوقات المضطربة بالمنطقة العربية. لنتذكر جملة وردت في حديث المستشارة الألمانية ميركل لما أعلنت عن استضافة برلين لمؤتمر دولي حول ليبيا : نخشى أن يتطور الصراع في ليبيا إلى حرب بالوكالة.
الكاتب: عبدالله الكبير