لم أخفِ انزعاجي من إحاطة غسان سلامة الأخيرة، ورحبتُ بالجهات التي أبدت انزعاجها وسجلت مواقفها المعلنة أو التي قدمت مذكرات احتجاجها بعيدا عن الإعلام، لكن ما لم أكن اتوقعه هو أن يكون المبعوث الخاص على مقاس طرف بعينه. ظهر سلامة على قناة ليبيا الأحرار لامتصاص احتجاح الطرف الرافض لحفتر، كما خرج ذات مرة لامتصاص غضب حفتر على قناة الحدث.
ساهم تحالف القوى الوطنية في إنهاء مهمة الدكتور طارق متري واستعجل الإسباني ليون قطف الثمرة وغادر الألماني كوبلر بعد أن قطف ثمرة ليون، ثم جاء سلامة وسط تصاعد وتيرة الصراع وانتقال الحرب إلى المنطقة الغربية.
الحرب الدائرة الآن هي بين طرفين، طرف لم يخفِ انقلابَه على الإعلان الدستوري وعلى الشرعية المعترف بها دوليا، وتطلعَه للوصول للسلطة عبر صناديق الذخيرة، وطرف كان يتطلع للعبور بليبيا إلى بر السلام من خلال ملتقى جامع كان سلامة يسعى لعقده منتصف أبريل الماضي قبل أن ينسفه حفتر بهجومه الغادر على العاصمة طرابلس.
لست من المطالبين بإنهاء مهمة سلامة لعدة أسباب، لعل أهمها أن الرجل حاول وكاد أن يحقق اختراقا مهما لولا غدر حفتر، هذا الغدر الذي صاحبه نجاح داعمي حفتر في عقد تحالفات دولية أربكت الموقف الدولي وعطّلت أي إدانة لحفتر في مجلس الأمن بل منحته الضوء الأخضر لغدره.
بعد هجوم حفتر على العاصمة حدث لسلامة عملية (Reset) إعادة ضبط، أي رجع من الموقف المتقدم الذي كان عليه قبل 4/4 إلى الموقف الحالي المحكوم باختلاف المواقف بين الدول دائمة العضوية، وهذا ما عجز الليبيون عن فهمه، كيف لا يدين سلامة الهجوم على العاصمة؟ كيف لا يسمي الأشياء بمسمياتها؟ كيف لا ولا؟.. إلخ. سلامة مبعوث خاص للأمين العام ويعبر عنه وليس شخصا سياسيا يعبر عن مواقفه الخاصة، وهو يسير في مواقفه طبقا لمواقف الدول الخمس الكبرى ووفق قائمة من المصطلحات المعَدَّة سلفا تبدأ من القلق إلى القلق الشديد … إلى الإدانة.
لا شك أن أفضل الحلول هي أن يبلغ الليبيون الرشد فيجلسوا إلى طاولة الحوار لحل مشاكلهم بأنفسهم دون الحاجة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وهذا المطلب بعيد المنال في ظل وجود حفتر وهذه النخب السياسية الفاشلة.
سلامة عاكف على ترميم المواقف الدولية تجاه ليبيا، رغم تقلص الدعم المحلي وارتباك الموقف الدولي والضغوطات التي يواجهها في كل الاتجاهات، والذي أراه أن توحد حكومة الوفاق المواقف في المنطقة الغربية وتضبط الإيقاع، وتضع الاستراتيجية التي تجمع تحتها القوى المختلفة والتي على أساسها تتعامل وتتواصل مع سلامة في مقابل مواقف حفتر الفرد.
لا بأس أن نحتج على تصريحات سلامة وإحاطاته أو على أي معلومة مغلوطة صدرت منه، ولكن لا ينبغي بحال أن ننسى أن هناك من يرى، وأنا منهم، أن متري كان أفضل من ليون.
المصدر : الصفحة الشخصية لعضو المجلس الانتقالي السابق عبد الرزاق العرادي