فتح المبعوث الأممي غسان سلامة الباب على كل الاحتمال في الملتقى الجامع، وجعل كل الحلول واردة ومتوقعة، وعصب اختيار المخرجات وتقريرها برأس الليبيين قائلاً: إنهم هم من سيقررون الحلّ للأزمة الليبية كما جاء في مؤتمره الصحفي وإحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.
لا يخفى على المتابع ارتفاع وتيرة التجهيز للملتقى الجامع منذ لقاء أبوظبي الذي جمع بين فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي وخليفة حفتر قائد عملية الكرامة، وكأنّ هذا اللقاء كان بمثابة بدء العدّ التنازلي لعقد هذا الملتقى الذي حيّر المتابعين للشأن العام بغموض أجندته وأسماء حاضريه وكيفية التمثيل فيه، وفعلاً بدأت تتكشف بعض تفاصيل هذا الملتقى ومن بينها مكان انعقاده الذي سيكون في مدينة غدامس وأيضاً عدد الحاضرين الذي سيتراوح بين 120 و150مشاركاً توجه إليهم البعثة دعوتها ممثلين لمعظم الطيف الليبي، واتضحت أيضاً أهم المخرجات التي ينبغي التوافق بشأنها، والتي يمكن حصرها في ثلاثة أمور رئيسية هي: توحيد السلطة التنفيذية، وإنهاء الانقسام في المؤسسات السيادية، وكذلك توحيد المؤسسة العسكرية، وكيفية التعامل مع مشروع الدستور.
كثيرون في حالة انزعاج واضح من سلوك غسان سلامة في إعداده لهذا الملتقى وحرصه على إبقاء جانب الغموض فيه واستئثاره باختيار الحاضرين وتركيزه على إعطاء السراج وحفتر الثقل الأكبر في حصول التوافق ونيل الضمانات، أضف إلى ذلك الاستياء من توسعة المشاورات مع الدول الكبرى والدول الإقليمية مما يعتبره عازفو نشاز السيمفونية الوطنية تدخلاً في الشأن الليبي ووصاية على الشعب وانتهاكاً للسيادة.
والحقيقة أن سلوك سلامة هذا تفرضه طبيعة الأزمة الليبية وواقع تعامل الأطراف السياسية معها، خاصة فيما يتعلّق بتوسعة المشاورات مع الدول الكبرى والدول الإقليمية التي لها دعم وتحالف مع بعض الأطراف، فموافقتها ودعمها لمخرجات الملتقى الجامع من الضمانات المهمة واللازمة، وهي ما سيضفي عليه الشرعية الدولية من خلال تضمينه في قرار أممي يصدر من مجلس الأمن فيما بعد، كما أنّ التركيز على السراج وحفتر في حصول توافقات وضمانات مرجعه إلى ضرورة إيجاد صيغة سياسية تنهي حالة الاستكبار العسكري لدى حفتر وقبوله بالحلّ السياسي ومخرجاته، وأظن أنه تمّ قطع شوط جيّد في هذا الشأن، ولقاء جنيف المرتقب والذي بدأ الحديث عنه سيكون فيه مزيد من التأطير لملف توحيد المؤسسة العسكرية وهو مؤشر على أن هذا الملف قد سحب من مصر وخرج من سطوتها، وفيه دليل جيّد على حجم الضغوطات التي يتمّ ممارستها على حفتر مهما تظاهر بالقوة على الأرض.
تبقى مسألة التعامل مع مشروع الدستور، وما هو مصيره في ظل قانون الاستفتاء المشوّه الذي أصدره مجلس النواب؟ وهنا لابد من الوقوف مع الرافضين لفكرة الملتقى الجامع، والداعين لإنهاء الأزمة السياسية من خلال الاستفتاء على الدستور ثم الذهاب إلى الانتخابات. ويمكن القول في هذا السياق: إن أحد أهم أسباب انعقاد الملتقى الجامع هو إيجاد صيغة توافق تؤدي إلى عملية استفتاء يرضى ويقبل الجميع بنتائجها، وقد أثبتت كل محاولات التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة عجزهما عن الوصول إلى ذلك، وأعتقد أن هذه المسألة (عملية الاستفتاء) ستكون التحدي الأبرز في الملتقى الجامع، وهل سيتم التوافق على عملية الاستفتاء في الملتقى الجامع أم سيُنتخب جسم تشريعي ينجز التشريعات اللازمة لعملية الاستفتاء؟ كل هذه الاحتمالات تحتاج إلى تجهيز لها، وأعتقد أن المجلس الأعلى للدولة الذي اختار الاستفتاء على الدستور بداية الطريق للخروج من الأزمة مطالب بتوسعة مشاوراته والعمل على بناء شراكة مع الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والقوى السياسية الفاعلة من أجل إتاحة الفرصة للشعب الليبي أن يقول كلمته في مشروع الدستور وفق آلية استفتاء منصفة وعادلة.
إن الملتقى الوطني الجامع يمثل حالة اختبار حقيقي لمصداقية الأطراف السياسية في سعيها لحل الأزمة، وهو الفرصة الأمثل للحفاظ على ما أنجزته الهيئة التأسيسية المنتخبة والتي ليس لأحد أن يقبل عملها أو يرفضه إلا من خلال استفتاء شعبي بآلية متّزنة وعادلة؛ لذلك فإن رفض الملتقى الجامع ليس إلا إهداراً لفرص يصعب تكرارها، وإمعانٌ في عنتريات العناد السياسي التي لن نجني منها إلا استدامة حالة الفوضى والتأزّم.
المصدر: موقع ليبيا الخبر