بعد غموضٍ أحاط بلقاء فائز السراج مع خليفة حفتر في أبوظبي، نشرت بعثة الأمم المتحدة بعض ملامح مخرجات اللقاء والتي تتلخص في الاتفاق على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، وسبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها.
لا يمكن الخوض في مخرجات اللقاء قبل الحديث عن دوافع الإمارات لعقده، كذلك السياق الزمني الذي تمرّ به ليبيا وموقف الطرفين الرئيسيين الذين جمعهما اللقاء، لا سيّما خليفة حفتر الذي يخوض حربا في الجنوب الليبي يعتقد أنها ستقوي موقفه على طاولة التفاوض مع السراج.
لماذا جاءت مبادرة الإمارات في هذا الوقت؟
بعيدا عن الأهداف المعلنة التي تروجها قوات حفتر عن العملية العسكرية في الجنوب، فإن الهدف الحقيقي وراء العملية هو تدعيم موقفه التفاوضي أمام المجتمع الدولي في دهاليز حل الأزمة الليبية، فالسيطرة على بعض مناطق الجنوب هي سيطرة ظرفية نفذت بطريقة سريعة، وليس خافيًا شراء الولاءات ودفع الأموال لتغيير انتماءات المسيطرين على المناطق والزعامات القبلية، ما جعل الإمارات تُعجل في الدعوة إلى هذا الاجتماع دون أدنى تهيئة له من قبل، وهي الداعم المالي الأول لحفتر حتى لا تضيع هذه الإنجازات الظرفية أدراج الرياح.
النفط في السياسة
الجديد أيضا في اجتماع أبوظبي هو دخول موضوع النفط على خط التفاوض السياسي، سبب ذلك متعلق بما يحدث في الجنوب أيضا، فحقل الشرارة الواقع تحت سيطرة قوات الكرامة ما زال تحت القوة القاهرة، ما يعني توقّف تصدير النفط من أكبر حقل نفطي في البلاد، هذا التوقف يقلّل من أهمية سيطرة حفتر على الجنوب، وبالتالي يضائل من موقفه أمام خصومه؛ ما دفع بالإمارات إلى دعوة صنع الله للحضور، لكن رياح صنع الله لم تأت بما يشتهيه حفتر والإمارات، فالرجل لا يزال متمسكًا بموقفه في عدم رفع حالة القوة القاهرة عن حقل الشرارة قبل خروج المجموعات المسلحة من الحقل وضمان سلامة العاملين فيه.
الموقف الأمريكي
حضور السفير الأمريكي في ليبيا لم يكن إيجابيا بالنسبة لأبوظبي، ولم يسهم في تنفيذ أجندتها من خلال اللقاء، فموضوع النفط هو أحد المحددات الرئيسة للموقف الأمريكي في ليبيا، وسبق أن أجبرت الولايات المتحدة حفتر على تسليم حقول الهلال النفطي لمؤسسة النفط في طرابلس بعد إعلانه نقل تبعيتها للمؤسسة الموازية في الشرق، والجديد في الموقف الأمريكي هو الرفض القاطع لفصل السلطة العسكرية عن المدنية، وهو المشروع الذي تسعى الإمارات إلى تنفيذه في ليبيا من خلال حليفها حفتر.
أمّا مخرجات الاجتماع فتدل على أن ما حدث في الجنوب هو تغيير مسميات دون تغيير حقيقي للواقع، وسيطرة حفتر على الجنوب لم تقوّ موقفه التفاوضي كما كان يظن، والإمارات لم تنجح حتى الآن في فرض شروطها، وما يُقلقها هي أن أجندتها السياسية في ليبيا ضيقة جدًّا؛ لأن الاعتراف الدولي بعيدٌ عن حليفها، في حين أن السراج رغم بطئه وضعفه ما زال يتمتع بدعم قوي على المستوى الدولي.
وبعيدا عن التفاؤل أو التشاؤم، فإن خلاصة ما جرى في أبوظبي لم يتجاوز الحديث عن الانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة التي من ضمنها مؤسسة الجيش في إطار مدنية الدولة، وهذا ما يبحث عنه المبعوث للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات، وربما يكون المسعى الوحيد لسلامة هو ضمان قبول حفتر بها، وتبقى مخرجات اللقاء محكومة بموافقة باقي الأطراف السياسية في الملتقى الجامع المأمول أن يعقد قريبًا.
المبروك الهريش/ كاتب ليبي