استدركت إيطاليا على مبادرة باريس التي جمع فيها الرئيس ماكرون رئيس البرلمان ورئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الأعلى وقائد عام الجيش التابع للبرلمان بعقد اجتماع باليرمو ليكون لها زمام المبادرة في إدارة الملف الليبي، لهذا كان من نتائج باليرمو تأييد المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج وتقديم كامل الدعم له وتجاهل الجيش وقائده.
إيطاليا تتمتع بمباركة أمريكا في مسارها القائم على تحقيق التوافق تحت مظلة الرئاسي والانطلاق إلى مرحلة انتخابات برلمانية والحيلولة دون انتخابات رئاسية والتي في الغالب نتائجها لن تكون مرضية للإيطاليين.
الدور الفرنسي في عملية الجنوب
يبدو أن الاستراتيجية الفرنسية كانت، ولا تزال، تقوم على التعويل على خليفة حفتر، وسعت باريس إلى التعجيل بالانتخابات الرئاسية على افتراض أن حفتر هو المرشح الذي لا منافس له، ولأن روما نجحت في استبعاد هذا الخيار بمساعدة واشطن عبر ممثلها القوي في البعثة الأممية لليبيا، ستيفاني ويليامز، فمن الطبيعي أن تستخدم فرنسا ورقتها المهمة لمناكفة روما.
إقدام خليفة حفتر على الدخول عسكريا في الجنوب مؤخرا أكبر من أن يكون قرارا فرديا، ومن غير المستبعد أن تكون عمليته العسكرية بتشجيع ودعم فرنسي، وتسهيلات تقدمها الدول الإقليمية المؤيدة لجبهة طبرق والتي وفرت لحفتر ما يحتاجه من الدعم المادي والمعنوي منذ إطلاقه عملية الكرامة.
العلمية العسكرية مهمة جدا لحفتر كونها ستعيد تقديمه كمنقذ بعد أن خفت بريق اسمه بانتهاء الحروب في الشرق الليبي، لكنها بالقطع يمكن أن تحقق أهدافا استراتيجية لفرنسا من أهمها:
1 ـ فرض قوة أمر واقع في الجنوب الليبي متوافقة مع باريس وسياستها في دول جنوبي ليبيا.
2 ـ العملية قد تقدم فرنسا كمساهم أكثر فاعلية من إيطاليا في الحد من الهجرة غير الشرعية.
3 ـ تعزيز دور فرنسا في تشكيل المشهد السياسي والأمني في ليبيا.
التوافق بين باريس و”المرج”، حيث مقر خليفة حفتر إنما يتأتى لحاجة الأخير لكسر الطوق الذي فرضته إيطاليا بموافقة أمريكية والذي تجلى في آخر نسخة من رؤية البعثة الأممية لحل الأزمة الليبية والتي لم تكن مرضية لحفتر على الإطلاق، ولأن حفتر لا يحسن إلا العمل العسكري لتحقيق أهدافه، فإن الجنوب هو الخيار المناسب بعد فشل الحراك العسكري قرب العاصمة .
أيضا ليس من العجب أن يطمح حفتر من خلال السيطرة على الجنوب أن يضع طرابلس بين فكي الكماشة ويصبح الانطلاق صوبها أكثر يسرا.
بالمقابل فإن المناورة الإيطالية المباركة من قبل أمريكا عزلت فرنسا جزئيا وأفشلت مبادرتها التي عولت على الخيار السلمي لتحقيق التغيير المنشود، ولهذا لم يعد أمام باريس من خيار إلا البحث عن أوراق ضغط، ولن تكون تلك الأوراق إلا في الجنوب الذي تعتبره فضاءها الحيوي.
تصريحات الساسة التنفيذيين الإيطاليين في الأيام القليلة الماضية والتي
تعكس حالة من الضيق وربما الغضب تجاه فرنسا إنما هي تعبير عما حاولنا شرحه
أعلاه، فتصريحات وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء التي تصف الدور الفرنسي
في ليبيا بالمعرقل لا تفسير لها إلا ما يظهر من حراك عسكري في الجنوب ترعاه
فرنسا.
ربما ستنجح باريس في إحراج وحتى عزل روما في دهاليز الاتحاد الأوروبي إذا
حققت العملية العسكرية نتائج مرضية في الحد من التدفق الكبير للمهاجرين غير
الشرعيين من جنوب ليبيا إلى شمالها ومن ثم إلى أوروبا، مما يعني مزيدا من
الدعم الأوروبي لحفتر وهو ما تريده فرنسا ولا ترغبه إيطاليا.
عوائق وتحديات
حفتر ومن خلفه من داعمين دوليين يحسنون اقتناص الفرص، فالوضع المتردي جدا
في الجنوب والذي من أبرز مظاهر تأزيمه بعبع المجموعات المسلحة الأجنبية
واستباحتها للأراضي الليبية يشكل اليوم الهاجس الأكبر في الجنوب، وأصبح
عاملا مهم للتعبئة وكسب تأييد سكانه تماما كما كان الوضع في بنغازي العام
2014م.
غير أن وجود قوة عسكرية كبيرة وتوفر دعم دولي مباشر لا يعني بحال أن
العملية ناجحة وستحقق أهدافها، فالجنوب ساحة كبيرة ومعقدة، والسيطرة عليه
يتطلب احتواء كافة مكوناته السياسية والاجتماعية والعسكرية وهذا أمر شديد
الصعوبة.
أيضا ثبت أن حفتر يستعين بمجموعات مسلحة خارجة عن القانون وهي جزء من
الأزمة اليوم وترتكب أعمالا إجرامية تحت مظلة العملية العسكرية وقد تحدث عن
ذلك عدد من أنصار حفتر والجيش واعتبروه تحديا يمكن أن يعيق العملية
العسكرية وربما يفشلها.
المصدر : موقع عربي 21