قد نتفق معهم في الأسلوب وقد لا نتفق .. ولكن من الإنصاف أن نقول وبوضوح أنه من حق أهل الجنوب أن يكونوا غاضبين، ومن حقهم المطالبة بحلول لمشاكلهم المزمنة والمرهقة … وكم أتمنى أن يتحول الغضب إلى أفكار، والأفكار إلى حراك جنوبي وطني يسعى لترتيب البيت الداخلي وإلى تقديم طلباته ومشاريعه وحقائقه إلى السلطات والضغط لتنفيذها …. تبقى عدة أمور يجب التذكير بها …
أولا …
إنه ليس من الإنصاف تصوير الصراع وكأن الشمال ينعم بثروات الجنوب ويتعمد إهماله …فمثل هذا التصور قد يقود إلى استنتاجات وقرارات ستعمق من أزمات الجنوب، وقد تدفع به نحو ما هو أكثر خطرا من الوضع الراهن.
إهمال الجنوب ليس مؤامرة من أهل الشمال وإنما هو نتاج عقود من سوء الإدارة المشين، ونتاج للانقسامات السياسية الحالية، وللقصور في الأداء، ولتشتت الجهود، ولضعف الإمكانيات العسكرية .. فالإهمال ظاهرة مست الجميع في ليبيا وإن بدرجات مختلفة … بالإضافة إلى تضارب وتناقض المعلومات التي تأتي من الجنوب .. والصراعات الحادة بين زعماء مكوناته …
ثانيا …
إن الحل في الجنوب لا يمكن أن يقتصر على إرسال قوات أو على الحضور الأمني فقط … بل يجب أن يكون حلا شاملا .. أمنيا وسياسيا واقتصاديا وإداريا.. حلا يبدأ باستتباب الأمن وحسن الإدارة وإيجاد حلول لمختنقات الحياة .. ويدفع بقوة نحو مصالحة وتعايش بين مكونات الجنوب … وهذا لن يتحقق إلا إذا اضطلع اهل الجنوب بنصيبهم من المسؤولية .. وتوافقت الأطراف السياسية على جعل الجنوب نقطة بداية للحل .. ونقطة توافق وطني.
ولأن الجنوب بموجب غياب السلطة والنزاعات القائمة بين أهله قد أضحى ساحة للصراعات والتدخلات الإقليمية والدولية، فإن هذا يعني أن التواصل والتفاوض والتفاهم مع هذه الدول لا مفر منه.. ولكنه يجب أن يتم ضمن رؤية تعترف بموازين القوة الحالية دونما تفريط في حقوقنا الوطنية.
ثالثا…
ينبغي التركيز على إنهاء الخلافات القبلية بين القبائل الكبيرة، وإنهاء احتكار السلطة من طرف قبيلة واحدة في سبها بالذات، والعمل على وضع حد للفساد الذي يمارسه المتنفذون من أبناء تلك القبيلة وغيرها سواء المقيمون في طرابلس كوزراء أو وكلاء أو في بلدية سبها ابتداء من المجلس البلدي، وذلك بمشاركة كل القبائل في السلطات السياسية و الأمنية والعسكرية … وهذا لن يتحقق إلا إذا أصبح مطلبا واضحا من مطالب أهل الجنوب.
رابعا …
لا بد من إيجاد حل سياسي للصراعات القائمة هناك خصوصا مع التبو .. الصراع العسكري لن يؤدي إلا للمزيد من الدمار والتقهقر في سبل العيش .. إذا ما وُجدت إرادة سياسية صادقة فيمكن ايجاد الحلول التي تمكّن المكونات المختلفة من العيش بسلام .. والحلول الواقعية هي التي سيجد كل طرف فيها جزءا من مطالبه وضمانات لسلامته وتهدئة لمخاوفه.
خامسا …
الجنوب هو نقطة بداية … إما نحو صراع مفتوح متعدد الاطراف قد يستمر لأجيال ويشرع الأبواب أمام المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية … وإما أن يكون نقطة بداية نحو توافق بين القوى السياسية تظهر فيه إحساسها بالمسئولية واستشعارها للخطر .. ويقوم فيه أبناء الجنوب بالعمل بترتيب بيتهم بعزم وصدق ضمن تصور وطني مسئول …. وشامل.
الكاتب: عطية الأوجلي