قبل أيام نشرت على منصة فيس بوك منشورا علقت فيه على فيديو لأحد أعيان ترهونة وهو يدافع عن اللواء السابع خلال فترة اجتياحه للعاصمة يقول فيه: “نحن نريد إنقاذ العاصمة وتحريرها من الظلم ونتحدى أن يسجل على اللواء أية اختراقات”، قلت فيه إن الحقيقة غير ما كشف عنه الرجل، وعللت ذلك بأن هناك استلاماً لبعض جثامين أبناء طرابلس من ترهونة وعليها آثار التعذيب الوحشي.
ثم ذكرت أن القبيلة عندما تنحرف عن دورها كمظلة اجتماعية تصبح ستارًا للظَلمة وتستخدم الروابط الاجتماعية في التسويق لعبث أصحاب النفوذ وأمراء الحرب، كما وقع في الحدث المذكور.
انهال عليّ وابل من الشتائم المصحوبة بالتخوين والكذب والتدليس من مجموعة من الذباب الإلكتروني بسبب هذا المنشور، بإشراف أشخاص يقتاتون على زرع الفتن وتشويه الحقائق، والملفت في الأمر ما نشرته صفحة تدعى “المنصة الليبية”: اتهمتني فيه بأنني أهاجم مدينة ترهونة وأنني من الإخوان المسلمين، بطريقة لا تخلو من التحريض والفتنة.
وليس تزلفا أو خوفا أو تراجعا عن موقف لو قلت إنني لم أتهجم على مدينة أو قبيلة ترهونة، فهي من أنجبت أحمد المريض، ومحمد علي اللافي، والمبروك المنتصر، وغيرهم الكثير، وصفحات الجهاد الليبي ضد الاحتلال الإيطالي تتحدث عن معارك البطولة التي قاوم فيها أبناء ترهونة الاحتلال، أكتب هذا المقال وأدرك أني لن أزيد على ترهونة شيئا إن مدحتها ولن أضرها إن ذممتها.
ولا بأس بزيادة توضيح ما كتبت في ذلك المنشور؛ درءا للشبهات، وإسكاتاً لمن يتصيد في الماء العكر، وحتى لا يلقى الكلام على عواهنه، ولنقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت، وتفاديا للتعميم الجائر، فالتعميم آفة الإنصاف كما يُقال.
من المعروف أن القبيلة مكوّن اجتماعي له القدرة على التحشيد والتأثير في أبنائها بحكم روابط الدم، وهذا ما يميزها عن الكيانات المدنية التي تجمع أفرادها على أساس الفكر والمشروع (أحزاب، منظمات، تكتلات)، وبالتالي فإن انخراطها في الحياة السياسية غير مقبول لما قد تسببه من تشوه في الممارسة الديمقراطية.
وعند الحديث عن القبيلة، واستحضار الحالة الليبية بالتحديد، لا يمكن التعميم فيها، ووصف المجتمع كاملا بأنه قبلي أو مدني، وإنما خليط بينهما، ولكل منطقة أو مدينة خصوصية لوحدها، فنجد المنطقة الشرقية يغلب عليها الطابع القبلي، بينما المنطقة الغربية هي أقرب للمدنية مع وجود محدود للقبيلة في بعض المدن .
النظام السابق استخدم القبيلة في ليبيا في التسويق لأفكاره ومنهجه الثوري والاستعانة بهم لضبط بعض الجوانب، كالتهريب مثلا في المناطق الحدودية على حساب أجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية .
ومن ضمن الدور السلبي للقبيلة في عهد النظام السابق أن القذافي كان يحب أن تجمع له القبائل في مسيرات التأييد وسماع بيانات المبايعة من هذه القبائل، وفي نهاية فترة حكم القذافي كان عمل بعض مشايخ القبائل هو التحشيد والتأييد والتسابق والتدافع من أجل إلقاء وثيقة العهد والمبايعة أمام القذافي، ونذكر جيدا عندما اشتد الحصار على القذافي فى سرت كيف كان يستنجد بالقبائل ويسميهم بأسمائهم ولكن دون جدوى لأن القبيلة دائما ما تتخلى عن المهزوم وتصطف مع المنتصر.
هذا المفهوم الخاطئ والاستخدام السيئ لدور القبيلة استمر حتى بعد انتهاء عهد القذافي، فهاهو قائد عملية الكرامة يسلك نفس المسار في التعامل مع بعض مشايخ القبائل.
ولقد حاول البعض في المنطقة الغربية استخدام القبيلة لإحداث تغيير سياسي على غرار من ذكرناهم سابقا، لكن لم يفلح وكان الفشل حليفه دائما، لأنه لم يراع طبيعة التركيبة الاجتماعية ولا مستوى الوعي عند سكان بعض المناطق.
ولإسقاط هذا الكلام على ما حصل في ترهونة مع تقديري واحترامي لكل أهل ترهونة وكيف تصدر أحد المشايخ مستعينا بفصيل مسلح لإثارة حرب تحت مسمى تطهير العاصمة من المليشيات المسلحة، وهو شعار لا خلاف عليه عند كل الليبيين، لكن المرفوض هو استخدامه لمسمى القبيلة والزج بها في نزاع مسلح بين أبناء الوطن الواحد متخطياً لضوابط القبيلة ومتجاوزاً لكيان الدولة وهيبتها ومستغلا ضعف أجهزتها.
وكمواطن ليبي، أحترم المكون القبلي في إطاره الاجتماعي، ولكن أرفض التحريض وإثارة النعرات القبلية واستخدامها لإشعال حرب بين أبناء الوطن الواحد، وتألمت كثيرا لما حدث من تبعات كانت نتائجها مأساوية على الجميع، ولولا لطف الله وتدخل العقلاء من مدينة ترهونة خاصة وباقي المدن عامة لوجدنا أنفسنا أمام اقتتال وفوضى تأكل الأخضر واليابس.
ختاما، ومن خلال هذا المقال أناشد الجميع وخاصة من انجرّ من القبائل في صراعات اقتتال، أن يعود إلى حضن ليبيا ويدفع في اتجاه الصلح ومديد الصفح والمصالحة، لأن ليبيا لن تنهض إلا بالجميع، ولكي نخلد تضحيات أبنائنا فيجب علينا أن نتجاوز عن أخطائنا ولا نلتفت إلى دعوات التحريض والتخوين.
محمد غميم/ كاتب ليبي