تعكس تطورات أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي تطورات مقبلة على منطقة الشرق الأوسط برمتها، فإضافة إلى الموقف الأخلاقي الذي يتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية وشاشات التلفزة، وتصريحات كبار المسؤولين في العالمين القديم والجديد، تظل أولويات ترتيب المنطقة أوفر حظا من كل اللافتات الأخلاقية، رغم وجاهة الأخيرة.
فالأمير الشاب الذي يتقلد أكثر من عشر وظائف سيادية، إضافة إلى التاج الذي ينتظره، لم يعد يُنظر إليه كشريك للولايات المتحدة في كبح جماح إيران في المنطقة، حيث أن قتل خاشقجي يستشف منه مدى سطحية أجندة ولي العهد وضعف طموحه، وتحوله إلى رجل شوارع يطارد مخالفيه، ولا يقيم وزنا لسيادة الدول.
كما أن ولي العهد ضرب أخماسا في أسداس، وظن – بمعنى تيقن – أن دفع مليارات الدولارات سيجعل منه رجل العالم الذي لا يُرَدّ له أمر، وتفتح له أبواب البيت الأبيض وقصور أوروبا.
السمعة التي خلفها وراءه ولي العهد جراء مطاردة الحقوقيين والحقوقيات منتهيًا بقتل صحفي أعزل لم يقل يوما إنه معارض ـ لن تمر دون عواقب.
هذه العواقب قد تكون رأس الملك وولي عهده، أو تبني أجندة وسياسات مختلفة للمملكة تتنازل فيه عن دور زوجة الأب لكثير من شعوب الدول العربية وبعض الخليجية.
في بداية أزمة خاشقجي سرب بعض المقربين من ولي العهد إمكانية التوجه إلى موسكو أو بيجين كحلفاء يلعبون دور المحلل له في رعناء تصرفاته، وشبقه غير المتوقع واللامحدود في تصفية خصومه، الذين هم بالأساس ليسوا جماعات متطرفة، بل بعض الناصحين والناصحات المدنيين العزل الذين غالبًا ما يعلو صوتهم من داخل منظومة الحكم.
هذه الفرضية تحتاج إلى تغيرات كبرى في ميزان القوى العالمية، فدول الخليج كلها تقريبا منطقة نفوذ أمريكي بامتياز، بعد تراجع دور بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يتصور وفق المعطيات السياسية الراهنة إمكانية أن يحل محلها أحد سواء الصين أو روسيا.
كما أن اندلاع هذا النوع من الصراع الأمريكي الصيني الروسي على منطقة الخليج، والمملكة تحديدا، يشبه في آثاره المدمرة المراحل الانتقالية التي تمر بها بلدان ما بعد الربيع العربي، أي أن انتزاع قوة مسيطرة ودخول أخرى محلها لن يخلو من حروب إقليمية وإنفاق عسكري مروع ومرعب.
إذن ليس على ولي العهد إلا أن ينتظر كما انتظر أردوغان، أي أن الخيارات أقرب إلى إدارة الرئيس ترمب، وهي إدارة معقدة من حيث إن الرئيس لا ينتمي إلى أي من الحزبين الحاكمين، وهذا يعقّد الوضع لا يسهله.
إضافة إلى أن مسألة قتل خاشقجي لو ثبت تورط ولي العهد فيها بشكل مباشر ستصعب بشكل معقد على ترمب أو نسيبه كوشنر أن يتماديا في الدفاع عن ولي العهد.
أما الحديث عن صفقات السلاح، فالمملكة “مجبرة أخاك لا بطل” على شرائه من الولايات المتحدة، سواء أكان ولي العهد هو من يوقع تلك الصفقات أو سين من الأمراء، فالأمر سيان.
ما يهم الآن ليس من سيتولى دفة ملك العربية السعودية، بل طبيعة السياسات القادمة للمنطقة، وهل سيشكل اغتيال خاشقجي فارقة في الشرق الأوسط، وتنقلب دفة سياسات السعودية العدائية تجاه أكثر من دولة، وهل سيتراجع دور محمد بن زايد تبعا لذلك أم أن الأخير سيبحث عن شريك مغامر آخر؟ المؤشرات توحي بأن محمد بن زايد سيضعف كثرا بدون سنده وظهيره ولي العهد السعودي، وبالتالي يمكن لملفات كانت حتى قبل دخول خاشقجي لقنصلية بلاده غير قابلة للحل أو التفاهم.
وهذا بالتالي سينعكس على كل حلفاء بن زايد وولي العهد في اليمن وليبيا ومصر، إذا ما فعلا أقدم العالم على تأديب بن سلمان.
هشام الشلوي/ كاتب ليبي