in

النهر الصناعي… معجزة هندسية أم جريمة استراتيجية ؟

لطالما تغنّى نظام القذافي بمشروع النهر الصناعي وقدّمه على أنهالمعجزة الثامنةالتي سيتحدث عنها العالم. ملايين الأمتار المكعبة من المياه الجوفية جُرّت من أعماق الجنوب الليبي لتسقي الشمالفي مشهد ضخم يلمعصورة النظام أكثر مما يخدم مستقبل الوطن. لكن خلف هذه الصورة الدعائية يختبئ مشروع يمكن وصفه اليوم بأنهأحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية في تاريخ ليبيا.

استنزاف مورد غير متجدد

المياه التي يعتمد عليها المشروع ليست سوىمياه أحفورية، تراكمت عبر آلاف السنين ولا تتجدد تقريبًا. ضخهابهذه الكثافة يعني ببساطة أننا نعيش على حساب الأجيال القادمة. ماذا سيحدث عندما ينضب هذا المخزون؟ هلكان هناك بديل جاهز؟ بالطبع لا ـ لأن الغاية لم تكن التنمية المستدامة بل العرض السياسي.

الجنوب.. الخاسر الأكبر

بينما تشرب طرابلس وبنغازي وسرت من النهر الصناعي، بقي الجنوب الذي يحوي هذه الثروة مجردخزانفارغ. كان يمكن أن تُستثمر هذه المياه في تنمية زراعية وصناعية تجعل الجنوب قوة اقتصادية، لكنه تُرك مهمّشًا مصدرًاللثروة لا مستفيدًا منها. إنها إعادة إنتاج لمنطقالمركز يستهلك والهامش يفرغ“.

المخاطر الجيولوجية

إن سحب المياه الجوفية على نطاق واسع يؤدي إلى هبوط الأرض و تشققها كما شهدت مدن كبرى في المكسيكوإيران والسعودية. ليبيا ليست بعيدة عن هذا المصير إذا استمر الاستنزاف.

مشروع سياسي بامتياز

الحقيقة الصادمة أن النهر الصناعي لم يكن مشروعًا تنمويًا بقدر ما كان أداة سياسية. أراد القذافي أن يقدم نفسهللعالم على أنهباني المعجزاتحتى لو كانت هذه المعجزات على حساب مستقبل شعب كامل. بدلاً من استثمارالأموال الطائلة في تحلية مياه البحر أو في مشاريع الطاقة الشمسية التي تملك ليبيا مقوماتها الطبيعية و جرىتبديدها في مشروع قصير الأجل لا مستقبل له.

البدائل التي لم تُمنح فرصة

التحلية بالطاقة الشمسية : خيار استراتيجي كان سيضمن استدامة حقيقية لمئات السنين.

إدارة رشيدة للمياه : عبر الترشيد وإعادة استخدام المياه المعالجة بدل هدرها.

تنمية الجنوب : بتحويل مياهه إلى مشاريع زراعية وصناعية محلية بدلاً من سحبها للشمال.

النهر الصناعي ليسالمعجزة الثامنةبل ربماالخطيئة الثامنة“. إنجاز هندسي نعم  لكنه جريمة استراتيجية ضدمستقبل ليبيا. مشروع صُمم ليُلمّع نظامًا لا ليبني وطنًا. والنتيجة أننا اليوم أمام مورد مائي يقترب من النضوبوجنوبٍ أُقصي من التنمية وبدائل مستدامة ضُيّعت في سبيل وهم سياسي لا أكثر

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة ليلى أحمد

“فيدان”: نستخدم وجودنا في ليبيا لمنع الصراع وندعم توحيد البلاد

الحرس البلدي يُحذّر من بيع الألعاب النارية ويطلق حملات لحماية الأطفال