الإيحاء بالأحداث المتنافية هو من أشرس المصائد الخبيثة التي ينشرها أعداء الدين، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي للأسف تنجح في صيد من لديهم استعداد لقبول مثل هذه الفتن، وكذلك من مرضى القلوب أو ممن لديهم محدودية في التفكير النقدي.
تعتمد هذه المصيدة على تصوير أحداث هي بطبيعتها غير متنافية، ولكنها تقدم بصيغة توحي للمتلقي بأن حدوث أحدها يمنع حدوث الآخر. على سبيل المثال، هذا الملصق الخبيث المرفق يوحي للقارئ وبشكل خبيث أن اليابان والمانيا وغيرها تقدمت بسبب عدم وجود كتب البخاري وابن تيمية وغيرها من كتب التراث.
طبعا لن يقول القرآن الكريم لأن الخطاب موجه للمسلم الذي سوف يرفضه تماما إذا ذكر القرآن الكريم. القرآن الكريم والتشكيك فيه أو في خطابه أو أنه موجه لأمة سابقة أو أن لغته ليست لغتنا اليوم، هذه ستكون المرحلة القادمة بعد تشكيك الناس في التراث والتاريخ والسيرة والأحاديث الشريفة.
الدين الإسلامي، متمثلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية، هو النبراس الذي يضيء روح وكيان المسلم، ويبين لهم الطريق إلى الله ومرضاته سبحانه وتعالى، وهو لا يتنافى أبدًا مع العالم المادي وعلوم الشهادة مثل الفيزياء والكيمياء والفيزياء الكمية والنووية وهندسة الاتصالات والذكاء الاصطناعي والطب وعلم الأدوية وغيرها. في اليابان نفسها تجد المهندس المسلم والعالم المسلم يقضي يومه في معمله وجامعته ومصنعه وشركته، ثم عند وقت الصلاة يذهب لبضع دقائق ليتوضأ ويصلي صلاته. وفي الليل وبعد صلاة العشاء، وأحيانًا بين المغرب والعشاء، يجتمعون لنصف ساعة يتدارسون بعض الأحاديث الشريفة من كتب البخاري ومسلم والتراث الإسلامي. ثم يذهبون إلى النوم حتى الفجر حيث ينهضون لصلاة الفجر، وتتواصل أرواحهم وقلوبهم مع خالقهم سبحانه وتعالى، ثم يذهبون إلى جامعاتهم ومعاملهم ومصانعهم. لا يتنافى إسلامهم مع ما يقدمونه للمجتمع الياباني، وهذا ما نعيشه يوميًا في المجتمعات الأوروبية الحديثة.
تجد العالم المسلم، سواء كان هنديًا أو باكستانيًا أو أوروبيًا أو عربيًا، يقدم الأبحاث ويساهم في تقدم الدولة التي يعيش بها، ويساهم في تقدم الإنسانية في مختلف العلوم، وفي الوقت ذاته لا يضيع صلاته ولا زكاته ولا صيامه. معرفته في عالم الشهادة المادي لا يتعارض مع دراسته ومعرفته بأمور دينه مثل نواقض الوضوء ونواقض الصلاة ونواقض الإيمان وتجويد التلاوة للقرآن الكريم وكذلك أقوال المذاهب في الأمور التي تهمه. دراسته ومعرفته بأمور دينه ليست متنافية مع تقدمه العلمي وإسهاماته في تقدم البشرية، بل إن نقاء روحه وصفاء إيمانه قد يكونان سببًا في تميزه العلمي حتى بين أقرانه من أهل البلاد الأصليين.
أما محاولة وضع اهتمام الإنسان بدينه موضع التنافي مع التقدم العلمي والإسهام في الحضارة البشرية، فهو من باب التشويش المغرض الذي لا ينطلي إلا على أصحاب النفوس المريضة. كما قرأت منذ أسبوع تقريبًا لأحدهم يقول: “العالم وصل إلى المريخ ونحن نسأل عن نواقض الوضوء!” وكأن السؤال عن نواقض الوضوء هو المانع للوصول إلى المريخ. نقول له: الوضوء، يا سيد، هو من شروط صحة الصلاة، والصلاة هي ثاني ركن في الإسلام بعد الشهادتين. تعلم الوضوء وتعلم نواقضه يأخذ من الإنسان أقل من 15 دقيقة ولمرة واحدة في حياته، ثم تصاحبه هذه المعلومة بقية حياته. أنت، يا سيد، تقضي قرابة 200 دقيقة تتفرج على فيلم أو مباراة كرة قدم أو تقضي الساعات الطوال في القيل والقال، ولم ينقض عليك عيشك ويقلقك إلا هذه الدقائق التي يتعلم فيها الانسان دينه.
أنواع المصائد كثيرة، وسوف تقابلك خلال الأيام القادمة بعض الذئاب يلبسون لباس الوعاظ ويلمزون في سنة الأضاحي. فتجدهم يقولون: لماذا بدل ذبح الأضحية لا نتبرع بالمال للفقراء والمساكين؟ نقول لهم: نتصدق للفقراء ونرسل إلى غزة وكذلك نذبح الأضحية لمن يستطيع. لماذا طوال 8 أشهر من الحرب لم نسمع موعظة منك بأن يتوقف المدخن عن التدخين ويرسل الأموال إلى غزة، وتكلفة التدخين في 8 أشهر أكثر من سعر الأضحية؟ لماذا لم ينصح هذا الذئب الذين يشترون أجهزة نقالة يصل ثمنها إلى ثمن 10 خرفان بأن يتنازلوا عن بعض المزايا ويرسلوا الفارق للفقراء والمساكين؟ لماذا لم تقلقهم مظاهر الترف والإسراف عند بعض طبقات المجتمع. هؤلاء لديهم حساسية غريبة مع أي شيء له صلة بالإسلام فقط.
نقول لهم: والله العظيم لأن أكون جاهلًا بكل ظواهر الدنيا وما فيها من فيزياء وكيمياء وعلوم الفضاء وعلوم المواد والطب والهندسة ولا أجد عملًا إلا أن أحتطب أو أحمل على ظهري الرمل والإسمنت لكي أعيش، لأشرف لي وأفضل مليون مرة من أن أكون حاملًا لجوائز نوبل ولكنني لا أعرف الوضوء ونواقضه. تلك الحفرة ستكون متساوية لمن كان يحمل جوائز نوبل ولمن كان يحمل على ظهره أكياس الإسمنت ليأكل، أما ما بعدها فهناك معايير أخرى للتقييم مختلفة تمامًا.