طرحت دعوة وزير الاستثمار بالحكومة الليبية، روسيا إلى مساعدة ليبيا في دخول “النادي النووي السلمي” من خلال بناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، العديد من التساؤلات حول جدية الفكرة وإمكانية تنفيذها.
وقال علي السعيدي القايدي لوكالة سبوتنيك الروسية، الجمعة، إن ليبيا ترحب بهذا المشروع، على أن تكون ليبيا منتجا للطاقة عن طريق الطاقة الذرية، وأضاف: “لدينا الأرض الخصبة لإنشاء هذا المشروع، وهو مشروع الطاقة النووية السلمية بالدرجة الأولى، ونفتح الباب أمام السلطات الروسية اليوم قبل الغد”.
وعلق البعض في شبكات التواصل الاجتماعي ساخرا من كلام الوزير، وعدوه مجرد لغو سياسي، لكن بعض الخبراء في التحولات الكبيرة الجارية في إنشاء وتشغيل الجيل الجديد من المحطات النووية الصغيرة المنتجة للكهرباء، يعرف أن اقتراح المشروع جاء من الروس أنفسهم، فقد سبقه بأسابيع قليلة اتفاق رسمي وقعته روسيا مع كل من مالي وبوركينا فاسو لتبني شركة “روس أتوم” الروسية محطات نووية مماثلة، تساعد البلدين على مواجهة أزمة الطاقة الخانقة التي يعيشانها والانقطاعات المتكررة للكهرباء لساعات طويلة يوميا.
كما تسعى الشركة الروسية العملاقة إلى إقامة مشروعات محطات نووية في دول إفريقية أخرى، من بينها زيمبابوي وبوروندي، إذ وقعت مع الدولتين اتفاقيات تعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية.
تحدي التكلفة والأمان
منذ كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011، تراجعت عديد الدول عن مشاريعها للاستثمار في الطاقة النووية بسبب حوادثها، وانخفضت حصتها في إنتاج الكهرباء بمقدار النصف لتصل إلى 10% عام 2020، وليس تحدي الأمان هو الوحيد التي تواجهه الدول صاحبة الاقتصاديات الضعيفة، بل أيضا التكلفة الكبيرة للمحطات النووية التقليدية.
لكن تحولا جديدا طرأ مؤخرا سمح بالتغلب على عائقي الأمان والتكلفة، بظهور جيل جديد من المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة “أس أم أر”، التي تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها مصممة لتكون أقل خطورة، فضلا عن أنها أرخص وأسرع كثيرا في إنشائها وبدء إنتاج الكهرباء منها، ويمكن توصيلها بشبكة الكهرباء الوطنية، وتأخذ التصاميم الحديثة لها بعين الاعتبار الظروف الأمنية الصعبة التي يمكن أن توجد فيها مثل الحروب والكوارث الطبيعية المدمرة.
ثورة المفاعلات المعيارية “أس أم أر”
والمفاعلات المعيارية “أس أم أر”، أصغر بكثير من المحطات النووية القياسية، وعادة ما يكون الغرض منها إنتاج طاقة لا تتخطى في أقصى الحالات 300 ميغاوات من الكهرباء، أي ما يقرب من خُمس ما يمكن أن يديره مفاعل قياسي، وتنتج الشركة الروسية مفاعلات من فئات أقل بكثير تصل إلى 35 و 50 ميغاوات، يمكن أن تعمل بشكل منفصل بحيث يِشغل بعضها أو يِوقف حسب حجم الطلب الموسمي، ما يعني انه في الحالة الليبية يمكن أن تكون هي الحل لبعض المدن التي تعرف نقصا حادا وضغطا أكبر في استهلاك الكهرباء، أو حتى لبعض الوحدات الإنتاجية الكبيرة مثل مصنع الحديد والصلب بمصراتة، أو في حالة لجأت الحكومة مستقبلا لبناء محطات لتحلية مياه البحر لمواجهة نقص الماء في بعض المناطق.
كما أن الأرقام التي كشف عنها ديوان المحاسبة حول إنفاق نحو 8.5 مليارات دولار خلال عام على الوقود والغاز لتشغيل محطات الكهرباء، طرح إشكالات جديدة حول مدى نجاعة هذا الخيار، فبهذا المبلغ يمكن بناء عشرات المفاعلات النووية الصغيرة لإنتاج الكهرباء التي تقضي تماما على العجز المزمن وساعات طرح الاحمال الطويلة.
هدف سياسي وآخر اقتصادي
ما من شك أن عروض بناء مفاعلات نووية صغيرة لإنتاج الكهرباء أصبحت في صلب استراتيجية التوسع الروسي في إفريقيا، وهي تريد بذلك ان تحقق هدفين الأول سياسي بتوسيع نفوذها والثاني اقتصادي باعتبار أن ما يحققه المشروع أكبر من صادرات السلاح الروسي، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية توضح “أن الدولة التي ترغب في تطوير برنامج نووي يجب عليها… أن تمر بعملية كاملة، وأن تتوصل إلى اتفاق ضمانات شاملة مع الوكالة. وهذا يعني من حيث المبدأ أن مخاطر الانتشار لا ينبغي أن تكون موجودة”.
وتقول الشركات المنتجة لهذا النوع من المفاعلات النووية الصغيرة، إن “المستوردين المحتملين هم دول بها شبكات طاقة كهربائية صغيرة الحجم وكثافة سكانية متناثرة تواجه صعوبة في بناء شبكات لمحطة نووية كبيرة الحجم، أو تلك التي تعاني من نقص المياه”، وتبدو ليبيا من الدول التي تستجيب لتلك المقاييس بشكل كبير.