تمثّل وفاة الفريق أول محمد الحداد لحظة مفصلية في مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ليس فقط باعتبارها خسارة لشخصية عسكرية قيادية، بل لما كان يمثله الرجل من توازنٍ حساس بين السياسة والعسكر في مرحلة ما بعد الحرب على طرابلس.
1. الحداد كضامن للاستقرار الهش
لعب الحداد دورًا محوريًا في:
تثبيت تفاهمات لجنة 5+5 العسكرية، التي شكّلت الإطار العملي الوحيد المقبول محليًا ودوليًا لوقف إطلاق النار.
احتواء التوترات الميدانية ومنع انزلاق العاصمة ومحيطها إلى مواجهات مفتوحة، خاصة في ظل انتشار تشكيلات مسلحة متباينة الولاءات.
طمأنة المجتمع الدولي بأن المؤسسة العسكرية في الغرب الليبي يمكن أن تكون شريكًا في الاستقرار، لا عنصر تفجير.
غياب الحداد يفتح فراغًا لا يتعلق بالمنصب فقط، بل بـ الدور الوظيفي السياسي–الأمني الذي كان يؤديه داخل منظومة هشة تقوم على التفاهمات لا على المؤسسات الراسخة.
2. تأثير الوفاة على مسار التوحيد
رحيل الحداد يطرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: الاستمرار المشروط
إذا تم اختيار خلفية تحظى بالقبول نفسه لدى لجنة 5+5 والبعثة الأممية، قد يستمر المسار العسكري الموحّد شكليًا، لكن بزخم أقل وحذر أكبر.
السيناريو الثاني: التجميد البطيء
وهو الأخطر على المدى المتوسط، حيث تبقى اللجنة قائمة لكن دون قرارات جوهرية، مع عودة الشكوك بين الشرق والغرب، خصوصًا إذا طغت الحسابات السياسية على الاعتبارات العسكرية.
السيناريو الثالث: إعادة التسييس
في حال جرى تعيين شخصية محسوبة بوضوح على طرف سياسي أو أمني داخلي، فقد تتحول رئاسة الأركان إلى أداة صراع، ما ينسف جوهر التوحيد ويعيد منطق المحاور.
3. البعد الإقليمي والدولي
المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف الراعية لمسار برلين، ينظر إلى لجنة 5+5 باعتبارها آخر خطوط الدفاع ضد العودة للحرب. أي اهتزاز في قيادتها سيُقرأ كإشارة ضعف قد تشجّع:
قوى داخلية على اختبار موازين القوة.
أطرافًا خارجية على إعادة التموضع العسكري أو السياسي.
ثانيًا: توصيات لمن يخلف الحداد في ظل الواقع الأمني الراهن في ظل هذه المرحلة الدقيقة، لا يكفي ملء المنصب، بل يجب إعادة إنتاج دور الحداد دون استنساخه. ويمكن تقديم التوصيات التالية:
1. مواصفات شخصية لا غنى عنها
القبول العابر للمناطق: شخصية لا تُحسب على معسكر أو مدينة بعينها.
سجل مهني غير صدامي: خالٍ من الانخراط المباشر في معارك داخلية مثيرة للانقسام.
قدرة تفاوضية عالية: إدراك أن المرحلة انتقالية وأن القيادة تُدار بالتوافق لا بالأوامر.
2. أولوية حماية مسار 5+5
تحصين اللجنة من التدخلات السياسية المباشرة.
الحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة مع نظرائها في الشرق دون تصعيد إعلامي أو ميداني.
اعتبار وقف إطلاق النار خطًا أحمر غير قابل للمساومة.
3. إدارة الملف الأمني الداخلي بحذر
تجنّب أي محاولات مفاجئة لإعادة هيكلة القوة المسلحة في طرابلس.
العمل على تفكيك التوترات بين التشكيلات المسلحة عبر الترتيبات الأمنية لا المواجهة، ودعم مسار الدمج والتسريح بشكل تدريجي وواقعي.
4. العلاقة مع السلطة السياسية
الحفاظ على مسافة مهنية من الصراعات الحكومية.
رفض توظيف المؤسسة العسكرية في أي صراع على الشرعية أو النفوذ، والتأكيد على أن دور رئاسة الأركان أمني–وطني لا سياسي.
إن وفاة محمد الحداد ليست مجرد حدث عابر، بل اختبار حقيقي لمدى نضج المسار العسكري الليبي. فإما أن تتحول هذه اللحظة إلى فرصة لترسيخ المؤسسية، أو إلى مدخل لعودة الشكوك والانقسام.
الرهان في المرحلة المقبلة لن يكون على الأسماء فقط، بل على القدرة على حماية الهدوء الهش من طموحات الداخل وضغوط الخارج، وهو التحدي الأصعب في ليبيا اليوم.
المصدر: خاص الرائد


