أثار نشر مجلس النواب لقانون يجيز تسوية الدين العام الليبي حتى عام 2025، والمقدّر بنحو 303.4 مليارات دينار ليبي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والرأي العام.
وينصّ القانون على سداد الدين عبر خصم 3% من إيرادات الدولة بواسطة مصرف ليبيا المركزي.
وقد عارض عدد من المحللين والفاعلين السياسيين هذه الخطوة، محذّرين من آثار اقتصادية سلبية محتملة على معيشة الليبيين.
في المقابل، يرى رجل الأعمال والمحلل الاقتصادي حسني بيّ في تصريح خاص للرائد أن هذه الاعتراضات تفتقر إلى أساس اقتصادي حقيقي. ويؤكد أن عدم تسوية الدين العام لا يعني تفادي الخسائر، بل تأجيلًا للتطبيع المالي الضروري، مع زيادة مخاطر تدهور الدينار الليبي مستقبلًا.
ويعرض بيّ تحليلًا اقتصاديًا يستند إلى بيانات نقدية وتدفقات مالية وحركة الاحتياطيات، ليؤكد أن الآثار السلبية التي يُخشى حدوثها قد وقعت بالفعل، وأن تسوية الدين لا تضيف ضررًا جديدًا. وفيما يلي خلاصة تحليله:
1) الكلفة الحقيقية للدين دُفعت بالفعل
اقتصاديًا، تحمّل المواطن الليبي كلفة الدين العام كاملة عبر:
* التضخم الناتج عن فائض السيولة
* تراجع القدرة الشرائية بسبب انخفاض قيمة الدينار
* استنزاف الاحتياطيات الأجنبية التي تراجعت من نحو 120 مليار دولار عام 2011 إلى قرابة 85 مليار دولار حاليًا
ويعني هذا تآكلًا يقارب 35 مليار دولار، أي ما يزيد على 188 مليار دينار عند احتساب متوسط سعر صرف 6.25 دينار/دولار، وهو مبلغ يغطي جزءًا كبيرًا من الدين المتراكم.
2) توسّع الكتلة النقدية يؤكد تمويل العجز بالنقود
تُظهر البيانات النقدية أن الدين العام مُوِّل أساسًا عبر التوسع النقدي لا النمو الإنتاجي:
* الكتلة النقدية عام 2011: 79 مليار دينار
* الكتلة النقدية اليوم: 190 مليار دينار
* الزيادة: 111 مليار دينار مودَعة في حسابات المواطنين
ويؤكد ذلك أن تمويل العجز جرى عبر خلق النقود، وهو ما قاد حتمًا إلى التضخم، وأي إنكار لهذه العلاقة يتعارض مع أبسط مبادئ الاقتصاد.
3) تمويل ميزانية 2025 لم يعتمد على طباعة نقود جديدة
خلافًا لبعض الادعاءات، لم يُضَف في عام 2025 سوى نحو 2 مليار دينار للكتلة النقدية، وقد جرى تغطيتها عبر بيع 28 مليار دولار. أما الإنفاق الحكومي—خصوصًا في شرق ليبيا الذي قارب 60 مليار دينار—فقد تم تمويله من موارد قائمة، أبرزها:
* 21 مليار دينار من رسوم بيع النقد الأجنبي (15%)
* 39 مليار دينار من عوائد بيع 28 مليار دولار بسعر 5.4 دنانير/دولار، أي 151.2 مليار دينار
وبحسب التقارير الرسمية، موِّل 107.5 مليارات دينار من الإنفاق العام، وبقي 43.7 مليار دينار، ومع إضافة 21.4 مليار دينار من رسوم النقد الأجنبي، توفّر إجمالي 66.1 مليار دينار لتمويل إنفاق الشرق، ما يؤكد أن التمويل كان عبر إعادة تقييم الأصول وبيع العملة، لا عبر طباعة غير منضبطة.
4) الاعتراض سياسي لا اقتصادي
يرى بيّ أن معارضة تسوية الدين سياسية الطابع وتفتقر إلى جوهر اقتصادي. فالضرر—بحسب تعبيره—«قد وقع وانتهى». إبقاء الدين قائمًا على الورق لا يعكس التضخم، ولا يعيد الاحتياطيات، ولا يقوّي الدينار؛ بل إن إطالة أمد الضبابية تزيد مخاطر تدهوره.
5) تسوية الدين لا تضيف أثرًا تضخميًا
يؤكد التحليل أن تسوية أو إلغاء الدين:
* لا تخلق نقودًا جديدة
* لا ترفع التضخم
* لا تُضعف العملة
بل على العكس، فإنها:
* تنقّي الميزانيات العامة
* تعيد الوضوح المؤسسي
* تخفّض المخاطر النظامية في القطاع المالي
ويخلص حسني بيّ إلى أن الجدل الرافض لقانون تسوية الدين العام هو خطاب سياسي أكثر منه تحليلًا اقتصاديًا. فقد دفع الليبيون ثمن الدين سلفًا عبر التضخم، واستنزاف الاحتياطيات، وتراجع مستوى المعيشة.
إن تسوية الدين لا تُنشئ واقعًا جديدًا، بل تُقِرّ واقعًا قائمًا، أما تعطيلها فلا يحقق فائدة اقتصادية، ويؤجّل فقط مسار التطبيع المالي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر إضافية على استقرار الدينار الليبي.


