in

الحوار المهيكل” في ليبيا.. خطوة نحو الانتخابات أم تقنين للانقسام والأزمة؟

رغم حالة الغموض والتباطؤ التي لوحظت على خطوات البعثة الأممية في ليبيا مؤخرًا، فإنها أعلنت -على نحو مفاجئ- انطلاق ما أسمته “الحوار المهيكل”، بوصفه أحد المسارات التي تدفع نحو تنفيذ خريطة الطريق الأممية التي أطلقتها المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، خلال إحاطة لها أمام مجلس الأمن.

وبالفعل انطلقت جلسات هذا الحوار في العاصمة الليبية طرابلس يومي 14 و15 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بمشاركة 14 عضوًا ممثلين لعدة كيانات ليبية، وفئات: المرأة والشباب وذوي الإعاقة. وذكرت البعثة أن الحوار المهيكل هو أحد المكونات الأساسية لخريطة الطريق الأممية، وأنه يسهم في معالجة الإشكالات المعقدة ودعم مسار الاستقرار والازدهار.

وفي إحاطة سابقة، أكدت تيتيه أن “خريطة الطريق ترتكز على ثلاثة مسارات متكاملة، وتشمل اعتماد إطار انتخابي فني سليم وقابل للتنفيذ سياسيًّا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتوحيد المؤسسات من خلال حكومة موحدة جديدة، وإطلاق حوار مهيكل واسع التمثيل”.

4 مسارات ومجالات رئيسة
وفي الانطلاقة تم التأكيد أن الحوار المهيكل يرتكز على أربعة مجالات أساسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن والمصالحة الوطنية، وحقوق الإنسان، لينتهي به المطاف إلى صياغة توصيات سياسات عامة، وبناء توافق وطني لمعالجة مسببات الصراع الطويلة الأمد، وتهيئة الظروف اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ذات مصداقية، ودعم جهود توحيد المؤسسات، وتعزيز الحوكمة والمساءلة، وهو بمنزلة منتدى تشاوري لا هيئة قرار، وفق توضيحات البعثة الأممية.

ملاحظات وانتقادات
رافق هذه الخطوة عدة ملاحظات وانتقادات شملت آلية اختيار أعضاء هذا الحوار المهيكل ومعايير هذا الاختيار، وهو ما تهربت من توضيحه البعثة الأممية أكثر من مرة، واكتفت فقط بذكر أن الترشيحات جاءت من مؤسسات ليبية متعددة، بينها البلديات، والأحزاب، والجامعات، وكيانات مهنية وثقافية، بالإضافة إلى عدد كبير من الترشيحات الطوعية من أفراد راغبين في المشاركة، موضحة أن الاختيار اشترط توافر معايير نزاهة وسلوك عام، تشمل عدم وجود سجل في انتهاكات حقوق الإنسان، أو الفساد، أو التحريض وخطاب الكراهية، أو سلوك غير أخلاقي، إلى جانب امتلاك معرفة أو خبرة في واحد على الأقل من مجالات الحوار، والقدرة على العمل التوافقي وتقديم توصيات عملية، فضلًا عن التفرغ والقدرة على الالتزام بالحضور طوال فترة المسار، وفق البعثة.
ومع أن هذه التوضيحات هي مجرد خطوط عامة جدًّا فإن البعثة زادت الأمر غموضًا وقتامة عندما منعت كل وسائل الإعلام من حضور انطلاقة الحوار المهيكل، واكتفت فقط بتوفير المواد الإعلامية وإرسالها إلى الصحفيين لتنحصر التغطية الإعلامية فقط على ما تراه البعثة ومكتبها الإعلامي، وهو ما زاد موجة الانتقادات والحنق.
أمر آخر وُجّه إلى البعثة وآلية تعاملها مع فكرة الحوار المهيكل، هو تقديم هذا المسار على غيره من المسارات المهمة مثل الإطار الانتخابي، وتشكيل حكومة موحدة؛ ما يشير إلى عجز تام للبعثة عن قدرتها على إنجاز المهم على حساب الأهم، وأنها فضلت البدء بالحوار وتأخير الأهم من قوانين انتخابية، وتشكيل حكومة موحدة.
لكن بالنظر إلى توقيت انطلاق الحوار المهيكل، سنرى أنه جاء في توقيت حساس جدًّا، في وجود حالة جمود سياسي واضحة، وحالة من التناحر الذي يزداد يومًا بعد آخر، وحالة من الاصطفاف الواضحة بين أطراف النزاع الليبي؛ لذا هو خطوة جيدة بالنظر إلى التوقيت، لكنها خطوة منقوصة لما سبق من ذكره من انتقادات، وغياب التوضيحات.

ومن المؤكد أن يواجه هذا الحوار عدة عراقيل، منها: التشكيك في نزاهته وأعضائه، ثم التشكيك في قدرة البعثة الأممية على إدارة الحوار والوصول إلى تسويات عملية حقيقية تناسب الوضع الراهن، وتتناسب مع حجم الأزمة الليبية المعقدة، انتهت برفض مجلسي النواب والدولة وباقي المؤسسات لمخرجات هذا الحوار، واعتبارها غير ملزمة له؛ ما يفرغ هذه الخطوة من كل مضمونها.

لكن، في خطوة استباقية لهذه العراقيل، كشفت المبعوثة الأممية لدى ليبيا، هانا تيتيه، أنها ستقدم آلية بديلة خلال إحاطتها المقبلة أمام مجلس الأمن في حالة تعنت الأطراف الليبية، خاصة مجلسي النواب والدولة، في تيسير تنفيذ الخريطة الأممية السياسية، دون الكشف عن تفاصيل هذه الآلية البديلة، وما إذا كانت ستحوي فرض عقوبات دولية على المعرقلين.

وعليه..
فإن خطوة انطلاق الحوار المهيكل، وما صاحبه من غموض وتساؤلات وانتقادات، تجعلنا نتساءل عن مدى جدية الخطوة في كسر حالة الجمود السياسي الراهنة، ووصولها فعليًّا إلى توصيات صالحة لحل الأزمة والدفع نحو عملية انتخابية قريبًا، أم سيكون الحوار مجرد أداة أممية جديدة لإدارة الأزمة الليبية بدلًا من حلها؛ ما يرهق البلاد بدخولها في مراحل انتقالية جديدة، وإضاعة شهور من مستقبل التداول السلمي للسلطة.
تساؤلات لن تجد إجابتها إلا عند البعثة الأممية من جانب، والأطراف الليبية المتنفذة في المشهد سياسيًّا وعسكريًّا من جانب آخر. وبين انتظار الإجابات يظل الناخب الليبي (المواطن المرهق) في حالة ترقب وتوتر، وفقد ثقة بكل الأجسام الحالية التي تؤكد كل يوم أنها غير جديرة بإدارة مؤسسة ليبية واحدة، فضلًا عن قدرتها على إدارة وطن بكامله.

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

الشحومي: الجدل بين المركزي ومؤسسة النفط غير مبرر.. والشفافية هي الحل

أحد ضحايا طائرة أنقرة المنكوبة.. مدير جهاز التصنيع العسكري العميد محمد القطيوي رحمه الله.