لأن التجربة الليبية منذ العام 2014 كشفت، بما لا يدع مجالًا للشك، هشاشة المسارات السياسية السابقة، التي أُديرت بمعالجات جزئية واتفاقات ظرفية لم تلامس جوهر الأزمة، فكانت النتيجة انقسام المؤسسات، وانهيار منظومة الثقة بين الليبيين، وتعدد مراكز القرار، وتداخل الأدوار المحلية والإقليمية والدولية في شؤون الدولة الليبية على نحو غير مسبوق.
الحوار المهيكل ليس ترفًا سياسيًا ولا جولة تفاوض جديدة، بل هو «آلية وطنية ومنهجية عقلانية» لإعادة تنظيمالعملية السياسية على أسس «قانونية ودستورية واضحة»، تضمن الشمول، والتكامل، والتوازن، والتدرج في معالجةالملفات الخلافية، بعيدًا عن منطق الصفقات اللحظية أو الإقصاء أو فرض الأمر الواقع.
فبعد فشل الانتخابات في 2021، وتعطل تنفيذ التعديل الدستوري (12)، وتعثر قوانين انتخابات لجنة (6+6)، وتزايدمظاهر الفساد والنهب المؤسسي، وتضاؤل قدرة الدولة على بسط سلطتها في عاصمتها وفي عموم أراضيها، لم يعدممكنًا الاستمرار بالآليات ذاتها وانتظار نتائج مختلفة.
الحوار المهيكل هو دعوة لإعادة ضبط المسار تحت مظلة الأمم المتحدة، بشراكة وطنية جادة، نحو «تجديد الشرعيةالسياسية عبر توافقات حقيقية»، تعيد للمؤسسات دورها، وتعيد للمواطن ثقته، وتؤسس لدولة يسودها القانونوتُصان فيها الحقوق والحريات.
إن إنقاذ المسار الليبي لا يكون بمزيد من المؤتمرات ولا بالمناورات السياسية، بل بإطار حوار منظم، محدد الأدوار،مضبوط بالأهداف والجداول الزمنية، يضمن أن يكون الحل ليبيًا بالكامل، وبمواكبة أممية داعمة لا متدخلة.


