كشفت النيابة العامة مؤخرًا عن واحدة من أخطر القضايا التي تمس أمن ليبيا القومي خلال السنوات الأخيرة، وهي قضية التلاعب بمنظومة الرقم الوطني وقيود الأسر، الأمر الذي سمح لأجانب بالتسلل إلى الهوية الليبية بطرق غير شرعية.
وتتزامن هذه التطورات مع تحذيرات وزارة الداخلية بشأن تنامي أعداد المهاجرين غير النظاميين وتأثيرهم على الأمن والاقتصاد، ما يطرح أسئلة ملحّة حول قدرة الدولة على حماية سجلاتها المدنية وصون سيادتها.
منظومة الرقم الوطني تحت التهديد
وأعلنت النيابة عن واحدة من أخطر قضايا التزوير في السجل المدني بمدينة صرمان، حيث أُمر بحبس موظف و4 متهمين بعد تورطهم في تزوير 9 قيودات عائلية مكّنت 63 أجنبيًا من الحصول على أرقام وطنية، استغلوها للحصول على 85,000 دينار من منح أرباب الأسر خلال الفترة الممتدة من عام 2012 إلى 2025.
وفي بنغازي، أمر وكيل النيابة بحبس أجنبي احتياطيًا وملاحقة مسؤول سابق في سجل الصابري بعد إدراج اسم أجنبي ضمن قيد عائلة ليبية اختفى أحد أفرادها، مقابل 45,000 دينار، مما أتاح له ولـ4 من أفراد أسرته استخراج أرقام وطنية ووثائق رسمية.
خطر يلامس الأمن القومي
تزامن الكشف عن هذه الوقائع مع تصريحات لوزير الداخلية بحكومة الوحدة عماد الطرابلسي الذي حذر من وجود نحو 3 ملايين مهاجر غير نظامي دخلوا ليبيا منذ عام 2012، مؤكدًا أن هذه الأعداد الهائلة تستنزف ما يقارب 7 مليارات دولار سنويًا من عائدات النفط عبر الخدمات الحكومية التي تُقدَّم لهم بطرق مباشرة وغير مباشرة.
وأشار الوزير إلى تورط مجموعات من هؤلاء المهاجرين في أنشطة إجرامية تشمل الاتجار بالبشر والمخدرات والإرهاب، ما يجعل اختراق منظومة الرقم الوطني عاملًا مضاعفًا لخطورة وجودهم.
قضايا مالية مرتبطة بالتزوير
وفي سياق متصل، أمرت سلطة التحقيق في نوفمبر الماضي بحبس المراقب المالي في إدارة الخدمات الصحية بالجفارة بعد ثبوت تورطه في استعمال أرقام وطنية مزورة لصرف أكثر من 1,140,000 دينار لصالح ذوي قرباه وأشخاص لا تربطهم أي علاقة بالوظيفة العامة.
وكان مكتب النائب العام قد أعلن في يونيو عن حبس 68 متهمًا في قضايا تزوير واسعة شملت فحص أكثر من 10,620 قيد أسرة، وتدقيق بيانات نحو 6,990 حالة، انتهت إلى شطب 291 رقمًا وطنيًا ثبت عدم صحتها.
تزوير منظم وابتزاز موظفات
وفي بداية العام الجاري، أمرت النيابة العامة بحبس مدير سابق لإدارة التوثيق في مصلحة الأحوال المدنية ومسؤول في التفتيش والمراجعة قبل عام 2020 بعد تورطهما مع آخرين في تزوير 200 قيد عائلي، إضافة إلى إرغام 5 موظفات على تسجيل بيانات تخالف القوانين المنظمة للجنسية والسجل المدني.
كما كشفت النيابة عن واقعة أخرى تتعلق بتزوير بيانات مواطن متوفى لا يوجد له أي أقارب، حيث قام متهمون بتسجيل زوجة و9 أبناء له بشكل وهمي، ثم زوروا لاحقًا بيانات زواج 8 من هؤلاء الأبناء، مما أتاح لـ40 شخصًا الحصول على أرقام وطنية وجوازات سفر ورواتب ومنح أسرية.
أرقام صادمة تهدد المنظومة
وكان النائب العام الصديق الصور قد أعلن في يناير 2024 عن وجود 11,823 قيد أسرة مزور من أصل 1,900,000 قيد معتمد في ليبيا، إضافة إلى تسجيل 88,819 رقمًا وطنيًا غير صحيح استفاد أصحابها من أكثر من 208 ملايين دينار.
كما كشف عن التحقيق في ملابسات حصول 48,000 أجنبي على أرقام وطنية بطرق غير قانونية، إلى جانب وجود 64,000 رقم وطني مسجل في منظومة الرقم الوطني دون وجود أي بيانات لهم في منظومة الأحوال المدنية.
خاتمة
إن التلاعب بالهوية الليبية عبر تزوير القيود العائلية ومنح الأرقام الوطنية لغير المستحقين لم يعد مجرد تجاوز إداري، بل تحول إلى تهديد مباشر لسيادة الدولة واستقرارها.
فاستمرار هذه الظاهرة يعمّق الفوضى ويقوّض الثقة في المؤسسات، ويضع ليبيا أمام تحدٍ حقيقي: هل تستطيع الدولة حماية منظومتها المدنية قبل أن تفقد السيطرة على أهم رموز مواطنتها وهويتها الوطنية؟

