يواجه الاقتصاد الليبي خطر الانهيار بعد أن تجاوز سعر الدولار اليوم عتبة 8 دنانير وقارب 10 دينار عبر الصكوك رغم استمرار إنتاج النفط واستمرار المركزي في ضخ كميات كبيرة من الدولار شهرياً تفوق حصيلة الإيرادات النفطية، ما أدى إلى تجاوز العجز في ميزان المدفوعات قرابة 6 مليارات دولار، ويتوقع تزايده مع نهاية نوفمبر المنصرم وديسمبر الحالي.
فالدولار هو المصدر الوحيد للإنفاق الحكومي ومصدر البلاد الوحيد في توفير احتياجاتها من سلع وخدمات ومصدر السيولة أيضاً.
و رغم أن اسباب الانخفاض المستمر في قيمة الدينار واضحة ومعروفة منذ سنوات، جراء ارتفاع الإنفاق الحكومي وانخفاض إيرادات النفط والهبوط الحاد في الإيرادات غير النفطية، ناهيك عن ضغط السيولة والخلل في ميزاني المدفوعات و ميزان الخدمات، فضلاً عن انعدام الاستثمارات الأجنبية واستشراء الفساد وسوء الادارة، بالطبع دون إغفال الانقسام السياسي والمؤسسي وتداعياته السيئة والمباشرة على الاقتصاد.
وللأسف فإن الحلول اليوم شبه معدومة أو يائسة وذلك بالنظر إلى تاريخ وجذور الأزمة الاقتصادية قبل 10 سنوات مضت، فحينها كانت هناك مبررات وكان هناك هامش واسع للحركة و الحلول، فالنفط كان متوقفا والإنفاق الحكومي كان محدودا لا يتجاوز 45 مليارا كحد أقصى، كما أن معدلات التضخم كانت معقولة نوعاً والدين العام المصرفي كان في بداية نموه، أما سعر الدولار رسمياً فكان عند 1،40 و المعروض النقدي لا يتجاوز 80 أو 90 مليار دينار، أما الاحتياطي الأجنبي فكان في بداية تراجعه عن حاجز 100 أو 110 مليار دولار.
و عليه كانت الحلول ممكنة ولو مؤقتة وذلك مع استئناف ضخ النفط وإقرار تخفيض لسعر الدينار أمام الدينار أو فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي.
و هذا هو ما اتبعه المركزي بعد تخلي الحكومات عن مهامها وواجباتها، فهي# ترى نفسها غير معنية بالأمر.
ففي سبتمبر من العام 2018 م فرضت ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بنسبة %183،
وفي ديسمبر 2020 م تم تخفيض قيمة الدينار من 1،40 الى 4،48 للدولار مع إلغاء الرسم.
وفي فبراير من العام 2024 م تم فرض ضريبة على مبيعات النقد الاجنبي لكافة الاغراض بنسبة %27 ليصل سعر بيع الدولار من المركزي ب 6،15 دينار للدولار.
و في أبريل من العام الحالي 2025 تم تخفيض قيمة الدينار بنسبة %13 ليصبح سعر الدينار رسمياً ب 5،45 للدولار تقريباً مع تخفيض سعر الضريبة إلى %15 .
ولذلك اليوم الحلول ( الوقتية ) صعبة، فالدينار لم يعد يحتمل مزيدا من التخفيض، وتخفيضه يعني مزيدا من الانخفاض للقدرة الشرائية للمواطنين ما يعني ضرورة رفع الحكومة لسقف مرتبات العاملين التي ستتآكل بشكل أكبر، وهذا سيؤدي بدوره إلى مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم، وارتفاع قيمة الإنفاق الحكومي تعكس انخفاض قيمة الدينار.
واليوم، الدين العام المصرفي وحده يقارب 277 مليار دينار، والمعروض النقدي يتجاوز حاجز 177 مليار دينار، كما أن مسألة إصلاح أو استبدال دعم المحروقات أصبحت اكثر صعوبة بسبب الانخفاض المتزايد قي قيمة الدينار وارتفاع معدلات التضخم.
كما أن ايرادات النفط اليوم محدودة قياساً بحجم الإنفاق الحالي، بعد فشل كافة المساعي لزيادة الإنتاج رغم ما خصص للمؤسسة من ميزانيات.
وعليه فأي إجراءات و تدابير ستدخلنا في دوامة لها أول وليس لها آخر، وذلك نتيجة اللامبالاة و الإهمال وتأخر الحكومات والجهات ذات العلاقة في معالجة الأزمة الاقتصادية في حينها رغم مرور قرابة إحدى عشر سنة من اندلاعها.


