عاد المشهد الليبي اليوم إلى خطاب “التفويض”، بعد أن دعا حفتر ،مرة أخرى، إلى منحه تفويضاً لحكم ليبيا، رغم أنّ هذه التجربة خاضها سابقاً ولم تُنتج حلاً. أو اجراء انتخابات رئاسيّة يتم خلالها انتخابه رئيساً لليبيا ككل.
وهنا يمكن القول؛ إنّ هذا المسار أثبت أنه لن ينجح، حتى وإن كانت بعض الدول توحي له بفكرة “اختبار الزخم الشعبي” قبل منحه دعماً لحكم البلاد، لأن الأزمة الليبية أعمق بكثير من مسألة تفويض فرد للحكم، أو انتخابه بدون دستور يتوافق عليه الليبيون.
إنّ الحاضنة التي وجدها حفتر في شرق ليبيا خلال السنوات الماضية ليست تفويضاً دائماً أو تفويضاً لمشروع حكم مركزي، بل هي حاضنة ظرفيّة نشأت من واقع سياسي مأزوم: فأهل الشرق ضاقوا بالمركزية، وبفشل الدولة في تحقيق أي شكل من اللامركزية أو العدالة في توزيع السلطة والثروة. وزادت قوة تلك الحاضنة بوجود بؤر للتطرف، في شرق البلاد، تمّ محاربتها بقيادته.
حفتر يرى أن الحل هو حكم ليبيا كدولة مركزية موحدة بقبضة واحدة، بينما كثيراً من أبناء الشرق دعموا حفتر لأنهم وجدوا فيه قوة مواجهة لتمركز القرار السياسي في طرابلس.
وهذا جوهر الخلاف بينه وبين جزء كبير من قواعده الاجتماعية في شرق ليبيا، لكنّ المفارقة أنّ وصول حفتر إلى الحكم المركزي، إن حدث، سيعيد إنتاج نفس المشكلة التي اشتكوا منها: تركز السلطة في مركز واحد، وتغذية دورة جديدة من التهميش والإقصاء، وعدم العدالة في توزيع الثروة والخدمات.
لذلك، فإن الدعوة “للتفويض” لن تُحدث حلاً لمشكلة الصراع حول شكل الدولة؛ هل هي “واحدة بسيطة أم اتحادية فدراليّة”، فليبيا لا تعاني نقصاً في الزعامة، فقد جربت زعامة الملك وزعامة القذافي، بل تعاني من غياب اتفاق واضح على كيفية إدارة بلد واسع ومتعدد الأقاليم. وما لم يُعالج أصل المشكلة، الذي هو “الصراع بين المركزية واللامركزية” ستظل أي محاولة لفرض حكم فردي أو مركزي جديد مجرد إعادة تدوير للأزمة نفسها.
أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس
د. صالح المخزوم