in

الهيئة العليا للرئاسات.. تنسيق سيادي أم صراع شرعيات؟

 

في خطوة وُصفت بالمفاجِئة نسبيًّا على المستوى الرسمي، شهدت طرابلس اجتماعًا رفيع المستوى جمع رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الأعلى للدولة. وأسفر الاجتماع عن إعلان تأسيس «الهيئة العليا للرئاسات» بوصفها «إطارًا تنسيقيًا يشكل السلطة السيادية العليا» بهدف توحيد القرار في الملفات الاستراتيجية. وقد نقلت وسائل إعلام عديدة البيان الرسمي، الذي دعا أيضًا مؤسسات سيادية أخرى للانضمام إلى هذا الإطار.

في المقابل، جاءت ردود فعل المؤسسات الأخرى سريعة ومتباينة؛ إذ وصفت حكومة حماد الإعلان بأنه «منعدم دستوريًا وقانونيًا»، مؤكدة أن إنشاء الهيئات السيادية هو اختصاص أصيل للسلطة التشريعية (مجلس النواب). هذا الرفض المبكر أضفى على الخطوة طابعًا قانونيًا–شرعيًا حادًّا منذ لحظتها الأولى، فيما تنوّعت التفسيرات الإعلامية والسياسية بين من يراها محاولة تنسيق عملي، ومن ينظر إليها كمحاولة توسّع في النفوذ السياسي.

هل تشكّل الهيئة تعقيدًا إضافيًا أم خطوة نحو الحل؟

الإجابة ليست قطعية؛ فالخطوة تحمل مقوّمات يمكن أن تدفع نحو التيسير كما تحمل عناصر قد تعمّق التعقيد.

عناصر قد تُسهم في التيسير

إذا أُديرت الهيئة كمنصّة تنسيقية شفافة لا تنتج هياكل جديدة، مع طرح جدول أعمال واضح لتسوية الملفات الاستراتيجية (الأمن، النفط، العقود الدولية، المفوضيات الانتخابية)، فقد تخفّف من ازدواجية المواقف وتسرّع اتخاذ القرارات الإجرائية المطلوبة على المستوى التنفيذي.

عناصر تزيد التعقيد أو خطر التصعيد

غياب قاعدة قانونية/دستورية صلبة يتيح لخصوم الخطوة وصفها بـ «الانفراد بالسلطة» أو الخروج عن شرعية المرحلة الانتقالية، ما يعمّق الاستقطاب بين الشرق والغرب ويعزّز خطاب الحكومة المقابلة التي لوّحت بخيارات موازية، بينها «الحكم الذاتي».

احتمال استخدام الهيئة كغطاء لتثبيت مواقف سياسية أو لإدارة الموارد خارج الأطر المتوافق عليها، بما يزيد التنافس على النفوذ بدل توحيد القرار.

الخلاصة المرحلية:
وجود اتفاق قانوني واضح وآليات شفافة وتوسيع دائرة المشاركة قد يجعل الهيئة عامل تيسير، فيما يمثل غياب هذه العناصر مخاطرة أكبر من فائدتها في الوقت الحالي.

علاقتها بمسار البعثة الأممية

عمليًا، تلامس الخطوة المسار الذي تدفع إليه البعثة الأممية (حوار سياسي، خارطة طريق، توحيد المؤسسات)، لكن الخلاف حول المرجعيات والشرعية يجعل مواءمتها مع المسار الأممي صعبة من دون تنسيق صريح وواضح.

وتبدو البعثة –عمومًا– ميّالة إلى أي مسار مبني على مؤسسات شرعية واضحة وخارطة طريق متفق عليها، وترفض خطوات تُنتج سجالًا دستوريًا لأنها تُضعف فرص التوافق الوطني. ومن هنا، فإن تشكيل الهيئة من دون توسيع دائرة المشاورات أو الحصول على موافقة الأطراف الأساسية في الشرق قد يخلق تناقضًا مع مسار البعثة، أو على الأقل يفرض على البعثة واقعًا جديدًا تتعامل معه بحذر.

الإطار القانوني والشرعية

حتى الآن، لا يتوافر سند دستوري مقبول على مستوى البلاد يمنح الهيئة صفة قانونية نهائية، خصوصًا في غياب قرار صادر عن مجلس النواب أو نص تشريعي صريح.
المؤيدون يصفونها «إطارًا تنسيقيًّا»، بينما تعتبر الحكومة المقابلة أي هيئة جديدة خارج الأطر الدستورية منعدمة قانونًا. كما يذهب الفقه الدستوري الليبي إلى أن الهيئات السيادية تستمد مشروعيتها من نص واضح أو مرجعية دستورية قائمة.

وبالتالي، تواجه الهيئة طعنًا سياسيًا وعمليًا في مسألة شرعيتها.

توصيات سياسية واستراتيجية

بناء شرعية فعلية: عبر مشاورات موسّعة تشمل الأطراف المناطقية والبعثة الأممية، لضمان غطاء قانوني مؤقت أو دائم.

الشفافية: نشر خارطة طريق مرحلية بمهام واضحة، ومدد زمنية، وآليات اتخاذ القرار، وعلاقة الهيئة بمسار البعثة الأممية.

مواءمة المسار الأممي: ربط خطوات الهيئة بمحاور خارطة طريق البعثة لتجنّب الاصطدام الدولي والإقليمي الذي يضر بفرص الحل السياسي.

المصدر: خاص الرائد

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

الإذاعة الفرنسـية: هناك تسارع في التقارب بين معسكر الرجمة وأنقرة التي ترغب في استخدام ميناء بنغازي لتصدير بضائعها

المركزي يستعد لضخ ملياري دولار في السوق لدعم الاعتمادات وتغطية التحويلات الشخصية